نُبْذَة عَن تَرَاجِمِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ
الإمَام
أَبُو حَنِيفَة - الإمام مالِك بن أَنس - الإمام الشَّافِعِىّ - الإمام أَحْمَد بن
حَنْبَل
1ـ الإمام
أبو حَنِيفَة : ( ت 150 هـ )
أبو حنيفة
هى الكُنْيَة التى اشتهر بها ، أما اسمه فهو النُّعْمان بن ثابِت بن زوطَى ، وهو
تَيْمِى بالوَلاء ، إذ كان مولَىً لِتَيْم اللهِ بن ثعلبة الكوفى ، ولكن أصله مِن
فارس ، وهو تابعى لأنه رأى مِن الصحابة أنس بن مالك ، وسهل بن سعد الساعدى ، وعبد
الله بن أَبِى أَوْفَى ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة ، وروى عن بعض هؤلاء ، ويقول
بعض العلماء أنه روى عنهم جميعا .
أخذ أبو
حنيفة الفقه والحديث عن عطاء ، ونافع ، وابن هرمز ، وحماد بن أبى سليمان ، وعمرو
بن دينار وغيرهم ، وروى عنه أصحابُه : أبو يوسف ، وزُفَر ، وأبو مطيع البَلْخِى ،
وابن المُبارك ، والحسن بن زياد ، وداود الطائى ، ووَكيع ، وآخرون .
وقد شهد له
العلماء بسعة المعرفة ، والفقه ، وقوة الحُجَّة ، قال الشافعى : ( الناس فى الفقه
عِيال عَلَى أبى حنيفة ) ، وقال اللَّيث بن سَعْد : ( قابلتُ مالِكاً بالمدينة
فقلت له : إنى أراك تمسح العَرَقَ عن جَبينك ، قال : عرقتُ مع أبى حنيفة ، إنه
لفقيه يا مِصْرى ) ثم لَقِيتُ أبا حنيفة فقلتُ له : ما أحْسَنَ قول هذا الرَّجُل
فِيك ، فقال أبو حنيفة : ( ما رأيتُ أسرعَ منه بجواب صادق ونَقْدٍ تام ) .
وهو بِلا
رَيْب فَقِيه أكثر منه مُحَدِّثاً ، ولكن معرفته بالحديث لم تَكُنْ قليلة إلى
الحَدِّ الذى يُصَوِّره البعض . فقد جمع له محمد بن محمود الخَوَارِزْمِى خمسة عشر
مُسندا ، وفى كتاب ( الآثار ) لصاحبه محمد بن الحسن كثير مِن الأحاديث التى أخذها
عنه ، ولكنَّ الفقه ظل الصفة البارزة فيه وَحَسْبه أنه مُؤَسِّس المَذْهَب
الحَنَفِى المسمى بإسمه ، وإمام أهل الرأى .
ولقد كان
أبو حنيفة تَقِيَّا وَرِعاً ، يكسب حياته مِن عمل يده ، ولا يقبل جوائز العلماء ،
إباءً وأَنَفَةً وترفعاً بكرامة العلماء أن تُذَلَّ أو تُهان . أراد أبو جَعْفَر
أن يُكْرِهَه على القَضاء ، وحَبَسه وضربه مائة سَوْطٍ وعشرة أسواط كل يوم عشرة ،
ليحمله على قبول المَنْصِب ، ولكنَّه أَبَى ، وتُوُفِّىَ بالسجن سنة 150 هـ فى
بغداد ، وفيه يقول ابنُ المُبارك : ( أَفْقَه الناس أبو حنيفة ، ما رأيتُ فى
الفِقْه مِثْلَه ، ولولا أنَّ اللهَ تعالى أغاثَنِى بأبى حنيفة لَكُنْتُ كسائر
الناس .
2 ـ الإمام
مالِك بن أَنَس : ( ت 179 هـ )
كان حَسَن
السَّمْت ، كثير التضرع ، ولم يكن مِن أهل بلد مالك ، فَخَفى عليه أمره ، على أنه
لم يُخَرِّج له إلا شيئاً مِن فضائل الأعمال ، أو زيادة مَتْن .
وقد اَلَّفَ
مالك ( المُوَطَّأ ) وأراد المنصورُ أن يحمل الناس عليه ، ولكنَّ مالِكاً أَبَى ،
وقد استغرق تأليفه ( الموطأ ) أربعين سنة ، عرضه خلالها على سبعين فقيهاً مِن
فقهاء المدينة . وقد جمعه مِن مِائَة ألف حديث .
وَرَوَى
الموطأَ عنه أكثرُ مِن أَلْفِ رَجُل ، ولذلك اختلفَتْ نُسَخُه فكانت ثلاثين ، لم
يشتهر منها إلا عشرون ، وأشهرها رواية يحيى الليثى الأندلسى المَصْمودى ، وليست
أحاديث الموطأ كلها مُسْنَدَة بل فيه المُرْسَل والمُعْضَل والمُنْقَطِع وغير ذلك
.
روى مالك عن
: نعيم المُجْمِر ، وزيد بن أسلم ونافع وشريك بن عبد الله ، والزهرى ، وأبى الزناد
، وسعيد المَقْبُرِى وحُمَيْد الطَّويل .
أما الذين
رَوَوْا عنه فكثيرون ، منهم مَن كانوا شيوخاً له كالزُّهْرِى ويحيى بن سعيد ،
ومنهم مَن كانوا أقْرَانه كالأوزاعى والثورى وسفيان بن عُيَيْنَة والليث بن سعد
وابن جُرَيْج وشُعْبة بن الحَجَّاج ، ومنهم الذين أخذوا عنه كالشافعى ، وابن
المبارك وابن وهب ، وابن مهدى ، والقطان ، وأبى إسحاق الفزارى ، ولد الإمام مالك
رحمه الله سنة 93 هـ وتوفى سنة 179 هـ
3 ـ الإمام
الشَّافِعِى : ( ت 204 هـ
هو الإمام
الذى مَلأ طباق الأرض عِلْمَاً ، محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافِع ، وإلى
جَدِّه الأخير هذا نُسِبَ فَعُرِفَ بـ ( الشافعى ) ، وهو قُرَشِىّ مُطَّلِبِىّ
مَكىّ ، كُنيته أبو عبد الله وكانت أُمُّه ( أَزْدِيَّة ) .
ولد الشافعى
بِغَزَّةَ سنة 150 هـ ، ثم حُمِلَ إلى مكة بعد فِطامه ، ففيها نشأ وتَلَّقى العِلم
. حفظ القرآن وهو ابنُ سَبْعِ سِنين وَجَوَّدَهُ على مُقرئ مكة فى ذلك الحين
إسماعيل بن قُسْطنطين ، ويُرْوَى أنه كان يختمه فى رمضان ستين مَرَّة .
حَدَّثَ عن
مالكِ بنِ أنسٍ إمامِ أهلِ المدينةِ ، وفى الثالثة عشرة من عُمْره حفظ فى عِدَّة
ليــــــــــالِ ( مُوَطَّأه ) وعَرَضَه عليه ، كما حَدَّثَ عن سفيان بن عُيَيْنَة
، وعبد الله بن الماجِشون .
أما الفقه
فقد أخَذَه عن مسلم بن خالد الزنجى الذى أذن له بالفتوى وهو دُونَ العشرين ، وكان
إلى كل هذا بارعاً فى اللغة والشِّعْر ، قَوِىّ الحُجَّة والمُناظَرَة ، أَفْحَمَ
جميعَ مَن ناظَرَهم من علماء العراق ومصر ، وجمع بين فِقْه الحِجازيين والمِصْريين
والعِراقيين .
وُلِّىَ
الحُكْمُ بِنَجْران مِن أرض اليمن ، فَوَشَوْا به إلى الرشيد وزعموا أنه كان يريد
الخِلافة لنفسه ، فَحُمِلَ إلى دار الخلافة ببغداد حيث اجتمع بالرشيد سنة 184 هـ
وناظَرَ أمامَه محمدَ بنَ الحسن وعرف هذا قَدْرَه فَبرَّأه أمام الخليفة . ثم عاد
إلى مكة ثم إلى العراق مرة ثانية سنة 195 هـ ، وفى هذه المرة اجتمع بالإمام أحمد
بن حنبل والكرابيسى والزعفرانى . ومازال يتنقل بين مكة وبغداد حتى انتهى به المطاف
فى مصر سنة 199 هـ . وفيها توفى سنة 204 هـ عن أربع وخمسين سنة ، وسُئِلَ إسحاق بن
راهويه : كيف وضع الشافعى هذه الكتب وكان عمره يسيرا ؟ فقال : جَمَعَ اللهُ له
عَقْلَه لِقِلَّةِ عُمْرِه .
أما كُتُبه
التى سُئِلَ عنها ابن راهويه فكثيرة فى التفسير والحديث والفقه والأدب ، ولكن
أشهرها كتاب ( الرِّسالَة ) التى وضعها
تلبية لرغبة عبد الرحمن بن مهدى . وهذه الرسالة فى أصول الفقه ، وله كذلك كتاب (
الأُمّ ) الذى جمع فيه أعظم الأصول الدينية.
روى عنه
الإمام أحمدُ بن حنبل ، وأبو عُبَيْد بن القاسِم بن سلاَّم ، وعبد الله بن الزبير
الحميدى شيخ البخارى ، وأبو ثَوْر إبراهيم بن خالد البغدادى ، ويوسف بن يحيى
البويطى ، وحَرْمَلَة بن يحيى ، والحسن بن محمد الزعفرانى وغيرهم ، قال الإمام
أحمد فى الشَّافعى ( ما مَسَّ أحد مَحْبَرَة ولا قَلَماً ، إلا وللشافِعى فى
عُنُقِه مِنَّة ) .
4 – الإمام
أحمد بن حَنْبَل : ( ت 241 هـ ) ( إمام
أهل السُّنَّة والجماعة )
هو الإمام
الجليل ، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ، الشَّيْبانى ، المَرْوِزِى ثم البغدادى ،
وكنيته أبو عبد الله . كانت أُمُّه بِمَرْو حين حملت به ، ولكنها خرجتْ منها
واتجهت إلى بغداد فَوَلَدَتْه فيها سنة 164 هـ .
كان أكثر
طَلَبه للعلم فى بغداد ، إلا أنه تنقل فى البلدان فى طلب الرواية حتى انفرد بمعرفة
آثار الصحابة ، مع الضبط التام ، والورع الكامل ، وله مؤلفات كثيرة ، منها كتاب
العِلَل ، وكتاب الزهد ، والتفسير ، والناسِخ والمَنْسوخ ، وكتاب فضائل الصحابة ،
وكتاب الأشْرِبَة وغيرها .
وأشهر كتبه
وأعظمها ( المُسْنَد ) وفيه ثمانية عشر مُسْنَداً ، أولها مسند العَشَرَة ،
ودَافَعَ ابنُ حَجَر عن مسند أحمد بن حنبل ، ونفى وجود الأحاديث الموضوعة فيه .
ويشتمل مسند
الإمام أحمد بن حنبل على ( 40000 ) أربعين ألف حديث مُسْنَد ، المُكَرَّر منها نحو
عشرة آلاف ، ولابْنِه عبدِ الله بعض الزيادات . وعبدُ الله بن أحمدَ هو الذى
رَتَّبَ المُسند فوقع فيه خَلْطٌ ومات أحمدُ قبل أن يهذبه . أما الذى رتب المسند
على حروف المُعْجَم فهو الحافظ أبو بَكْر محمد بن عبد الله المقدسى الحنبلى .
كان الإمام
أحمد رحمه الله تعالى آية فى الحفظ والضبط ، حتى قال أبو زُرْعَة عنه ( كان يحفظ
ألف ألف حديث يُمْلِيها مِن حِفْظِه ) فلا غَرْوَ إذْ عُدَّ مِن ( أُمَراء
المؤمنين فى الحديث ) . وفيه يقول ابنُ حِبَّان ( كان فقيها حافِظا متقنا ،
ملازِماً للوَرَع الخَفِى ، مُحافِظاً على العِبادة الدائمة حتى ضُرِبَ بالسِّياط
فعَصَمه الله ُ مِن البدعة ، وجعله إماماً يُقْتَدَى به وملجأ يُلْجَأ إليه ) .
والبِدْعَة
التى عصمه اللهُ منها ، حتى ضُرِبَ بالسياط عليها ـ كما يقول ابن حبان ـ هى
مِحْنَة القول بِخَلْقِ القُرآن ، فإنه امتنع عن القول بها فضُرِبَ وَسُجِن (
ودَخَلَ الكِير فخرج ذَهَباً ) كما كان يقول بِشْر بن الحارِث الحافِى .
كان فى أول
أمره يحضر مَجْلِسَ القاضى أبى يوسف ، ثم أخذ عن الشافعى الحديث والفقه والأنساب
القُرَشِيَّة ، وذهب إلى اليمن ليسمع مِن عبد الرَّزَّاق ، ودخل الكوفة ، والبصرة
والجزيرة ومكة والمدينة والشام .
روى عن بشر
بن المفضّل الرَّقَّاشى ، وسفيان بن عُيَيْنة ، ويحيى بن سعيد القَطَّان ، وعبد
الرزاق ابن همام الصنعانى ، وسليمان بن داود الطيالسى ، وإسماعيل بن عُلّيَّة ،
ومُعْتمر بن سليمان البصرى وغيرهم .
وَرَوَى عنه
البخارىُّ ومسلمٌّ وأبو داودَ ، ووكيعُ بنُ الجَرَّاح ، ويحيى بنُ آدَم الكُوفى ،
وعلىّ بنُ المَدِينِى وابنُ مَهْدِى ، وفيهم شيوخه وأقرانه وتلامذته .
تُوُفِّىَ
الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل سنة 241هـ عن سبع وسبعين سنة ومناقبه أعظم من أن تُحْصَى
(1)
(1) علوم
الحديث ومصطلحه – د / صبحى الصالح ط 7 سنة 1973 دار العلم - بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق