الجمعة، 12 أبريل 2013

نُبْذَة عَن تَرَاجِمِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ الإمَام أَبُو حَنِيفَة ــ الإمام مالِك بن أَنس الإمام الشَّافِعِىّ ــ الإمام أَحْمَد بن حَنْبَل



                             نُبْذَة عَن تَرَاجِمِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ 
الإمَام أَبُو حَنِيفَة - الإمام مالِك بن أَنس - الإمام الشَّافِعِىّ - الإمام أَحْمَد بن حَنْبَل

1ـ الإمام أبو حَنِيفَة : ( ت 150 هـ )
أبو حنيفة هى الكُنْيَة التى اشتهر بها ، أما اسمه فهو النُّعْمان بن ثابِت بن زوطَى ، وهو تَيْمِى بالوَلاء ، إذ كان مولَىً لِتَيْم اللهِ بن ثعلبة الكوفى ، ولكن أصله مِن فارس ، وهو تابعى لأنه رأى مِن الصحابة أنس بن مالك ، وسهل بن سعد الساعدى ، وعبد الله بن أَبِى أَوْفَى ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة ، وروى عن بعض هؤلاء ، ويقول بعض العلماء أنه روى عنهم جميعا .
أخذ أبو حنيفة الفقه والحديث عن عطاء ، ونافع ، وابن هرمز ، وحماد بن أبى سليمان ، وعمرو بن دينار وغيرهم ، وروى عنه أصحابُه : أبو يوسف ، وزُفَر ، وأبو مطيع البَلْخِى ، وابن المُبارك ، والحسن بن زياد ، وداود الطائى ، ووَكيع ، وآخرون .
وقد شهد له العلماء بسعة المعرفة ، والفقه ، وقوة الحُجَّة ، قال الشافعى : ( الناس فى الفقه عِيال عَلَى أبى حنيفة ) ، وقال اللَّيث بن سَعْد : ( قابلتُ مالِكاً بالمدينة فقلت له : إنى أراك تمسح العَرَقَ عن جَبينك ، قال : عرقتُ مع أبى حنيفة ، إنه لفقيه يا مِصْرى ) ثم لَقِيتُ أبا حنيفة فقلتُ له : ما أحْسَنَ قول هذا الرَّجُل فِيك ، فقال أبو حنيفة : ( ما رأيتُ أسرعَ منه بجواب صادق ونَقْدٍ تام ) .
وهو بِلا رَيْب فَقِيه أكثر منه مُحَدِّثاً ، ولكن معرفته بالحديث لم تَكُنْ قليلة إلى الحَدِّ الذى يُصَوِّره البعض . فقد جمع له محمد بن محمود الخَوَارِزْمِى خمسة عشر مُسندا ، وفى كتاب ( الآثار ) لصاحبه محمد بن الحسن كثير مِن الأحاديث التى أخذها عنه ، ولكنَّ الفقه ظل الصفة البارزة فيه وَحَسْبه أنه مُؤَسِّس المَذْهَب الحَنَفِى المسمى بإسمه ، وإمام أهل الرأى .
ولقد كان أبو حنيفة تَقِيَّا وَرِعاً ، يكسب حياته مِن عمل يده ، ولا يقبل جوائز العلماء ، إباءً وأَنَفَةً وترفعاً بكرامة العلماء أن تُذَلَّ أو تُهان . أراد أبو جَعْفَر أن يُكْرِهَه على القَضاء ، وحَبَسه وضربه مائة سَوْطٍ وعشرة أسواط كل يوم عشرة ، ليحمله على قبول المَنْصِب ، ولكنَّه أَبَى ، وتُوُفِّىَ بالسجن سنة 150 هـ فى بغداد ، وفيه يقول ابنُ المُبارك : ( أَفْقَه الناس أبو حنيفة ، ما رأيتُ فى الفِقْه مِثْلَه ، ولولا أنَّ اللهَ تعالى أغاثَنِى بأبى حنيفة لَكُنْتُ كسائر الناس .

2 ـ الإمام مالِك بن أَنَس :  ( ت 179 هـ )
 هو إمام أهل المدينة ، وأمير المؤمنين فى الحديث ، مالك بن أنس بن أبى عامر الأصْبَحى ، نسبة إلى ذِى أصبح مِن مُلوك اليمن ، وكان يكنى أبا عبد الله وفيه يقول الشافعى ( مالك حُجَّة الله على خَلْقه بعد التابعين ) ، ويقول ابنُ حَيَّان : ( كان مالك أول مَن انتقَى الرجال مِن الفقهاء بالمدينة ، مع الفقه والدين والفضل والنسك وبه تَخَرَّجَ الشافعى ) ، ويقول النسائىُّ ( ما عندى أنْبَل من مالك ولا أَجَلّ مِنه ، ولا أوْثَق ، ولا آمَن على الحديث منه ، ولا أقل رواية عن الضعفاء . ماعَلِمْنَاه حَدَّث عن مَتْروك إلا عبد الكريم ( يريد عبد الكريم بن أبى المُخارِق البَصْرِى ) نَزِيلِ مَكَّةَ لأنه  
كان حَسَن السَّمْت ، كثير التضرع ، ولم يكن مِن أهل بلد مالك ، فَخَفى عليه أمره ، على أنه لم يُخَرِّج له إلا شيئاً مِن فضائل الأعمال ، أو زيادة مَتْن .
وقد اَلَّفَ مالك ( المُوَطَّأ ) وأراد المنصورُ أن يحمل الناس عليه ، ولكنَّ مالِكاً أَبَى ، وقد استغرق تأليفه ( الموطأ ) أربعين سنة ، عرضه خلالها على سبعين فقيهاً مِن فقهاء المدينة . وقد جمعه مِن مِائَة ألف حديث .
وَرَوَى الموطأَ عنه أكثرُ مِن أَلْفِ رَجُل ، ولذلك اختلفَتْ نُسَخُه فكانت ثلاثين ، لم يشتهر منها إلا عشرون ، وأشهرها رواية يحيى الليثى الأندلسى المَصْمودى ، وليست أحاديث الموطأ كلها مُسْنَدَة بل فيه المُرْسَل والمُعْضَل والمُنْقَطِع وغير ذلك .
روى مالك عن : نعيم المُجْمِر ، وزيد بن أسلم ونافع وشريك بن عبد الله ، والزهرى ، وأبى الزناد ، وسعيد المَقْبُرِى وحُمَيْد الطَّويل .
أما الذين رَوَوْا عنه فكثيرون ، منهم مَن كانوا شيوخاً له كالزُّهْرِى ويحيى بن سعيد ، ومنهم مَن كانوا أقْرَانه كالأوزاعى والثورى وسفيان بن عُيَيْنَة والليث بن سعد وابن جُرَيْج وشُعْبة بن الحَجَّاج ، ومنهم الذين أخذوا عنه كالشافعى ، وابن المبارك وابن وهب ، وابن مهدى ، والقطان ، وأبى إسحاق الفزارى ، ولد الإمام مالك رحمه الله سنة 93 هـ وتوفى سنة 179 هـ

3 ـ الإمام الشَّافِعِى : ( ت 204 هـ
هو الإمام الذى مَلأ طباق الأرض عِلْمَاً ، محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافِع ، وإلى جَدِّه الأخير هذا نُسِبَ فَعُرِفَ بـ ( الشافعى ) ، وهو قُرَشِىّ مُطَّلِبِىّ مَكىّ ، كُنيته أبو عبد الله وكانت أُمُّه ( أَزْدِيَّة ) .
ولد الشافعى بِغَزَّةَ سنة 150 هـ ، ثم حُمِلَ إلى مكة بعد فِطامه ، ففيها نشأ وتَلَّقى العِلم . حفظ القرآن وهو ابنُ سَبْعِ سِنين وَجَوَّدَهُ على مُقرئ مكة فى ذلك الحين إسماعيل بن قُسْطنطين ، ويُرْوَى أنه كان يختمه فى رمضان ستين مَرَّة .
حَدَّثَ عن مالكِ بنِ أنسٍ إمامِ أهلِ المدينةِ ، وفى الثالثة عشرة من عُمْره حفظ فى عِدَّة ليــــــــــالِ ( مُوَطَّأه ) وعَرَضَه عليه ، كما حَدَّثَ عن سفيان بن عُيَيْنَة ، وعبد الله بن الماجِشون .
أما الفقه فقد أخَذَه عن مسلم بن خالد الزنجى الذى أذن له بالفتوى وهو دُونَ العشرين ، وكان إلى كل هذا بارعاً فى اللغة والشِّعْر ، قَوِىّ الحُجَّة والمُناظَرَة ، أَفْحَمَ جميعَ مَن ناظَرَهم من علماء العراق ومصر ، وجمع بين فِقْه الحِجازيين والمِصْريين والعِراقيين .
وُلِّىَ الحُكْمُ بِنَجْران مِن أرض اليمن ، فَوَشَوْا به إلى الرشيد وزعموا أنه كان يريد الخِلافة لنفسه ، فَحُمِلَ إلى دار الخلافة ببغداد حيث اجتمع بالرشيد سنة 184 هـ وناظَرَ أمامَه محمدَ بنَ الحسن وعرف هذا قَدْرَه فَبرَّأه أمام الخليفة . ثم عاد إلى مكة ثم إلى العراق مرة ثانية سنة 195 هـ ، وفى هذه المرة اجتمع بالإمام أحمد بن حنبل والكرابيسى والزعفرانى . ومازال يتنقل بين مكة وبغداد حتى انتهى به المطاف فى مصر سنة 199 هـ . وفيها توفى سنة 204 هـ عن أربع وخمسين سنة ، وسُئِلَ إسحاق بن راهويه : كيف وضع الشافعى هذه الكتب وكان عمره يسيرا ؟ فقال : جَمَعَ اللهُ له عَقْلَه لِقِلَّةِ عُمْرِه .
أما كُتُبه التى سُئِلَ عنها ابن راهويه فكثيرة فى التفسير والحديث والفقه والأدب ، ولكن أشهرها  كتاب ( الرِّسالَة ) التى وضعها تلبية لرغبة عبد الرحمن بن مهدى . وهذه الرسالة فى أصول الفقه ، وله كذلك كتاب ( الأُمّ ) الذى جمع فيه أعظم الأصول الدينية.    
روى عنه الإمام أحمدُ بن حنبل ، وأبو عُبَيْد بن القاسِم بن سلاَّم ، وعبد الله بن الزبير الحميدى شيخ البخارى ، وأبو ثَوْر إبراهيم بن خالد البغدادى ، ويوسف بن يحيى البويطى ، وحَرْمَلَة بن يحيى ، والحسن بن محمد الزعفرانى وغيرهم ، قال الإمام أحمد فى الشَّافعى ( ما مَسَّ أحد مَحْبَرَة ولا قَلَماً ، إلا وللشافِعى فى عُنُقِه مِنَّة ) .

4 – الإمام أحمد بن حَنْبَل : ( ت 241 هـ )   ( إمام أهل السُّنَّة والجماعة )
هو الإمام الجليل ، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ، الشَّيْبانى ، المَرْوِزِى ثم البغدادى ، وكنيته أبو عبد الله . كانت أُمُّه بِمَرْو حين حملت به ، ولكنها خرجتْ منها واتجهت إلى بغداد فَوَلَدَتْه فيها سنة 164 هـ .
كان أكثر طَلَبه للعلم فى بغداد ، إلا أنه تنقل فى البلدان فى طلب الرواية حتى انفرد بمعرفة آثار الصحابة ، مع الضبط التام ، والورع الكامل ، وله مؤلفات كثيرة ، منها كتاب العِلَل ، وكتاب الزهد ، والتفسير ، والناسِخ والمَنْسوخ ، وكتاب فضائل الصحابة ، وكتاب الأشْرِبَة وغيرها .
وأشهر كتبه وأعظمها ( المُسْنَد ) وفيه ثمانية عشر مُسْنَداً ، أولها مسند العَشَرَة ، ودَافَعَ ابنُ حَجَر عن مسند أحمد بن حنبل ، ونفى وجود الأحاديث الموضوعة فيه .
ويشتمل مسند الإمام أحمد بن حنبل على ( 40000 ) أربعين ألف حديث مُسْنَد ، المُكَرَّر منها نحو عشرة آلاف ، ولابْنِه عبدِ الله بعض الزيادات . وعبدُ الله بن أحمدَ هو الذى رَتَّبَ المُسند فوقع فيه خَلْطٌ ومات أحمدُ قبل أن يهذبه . أما الذى رتب المسند على حروف المُعْجَم فهو الحافظ أبو بَكْر محمد بن عبد الله المقدسى الحنبلى .
كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى آية فى الحفظ والضبط ، حتى قال أبو زُرْعَة عنه ( كان يحفظ ألف ألف حديث يُمْلِيها مِن حِفْظِه ) فلا غَرْوَ إذْ عُدَّ مِن ( أُمَراء المؤمنين فى الحديث ) . وفيه يقول ابنُ حِبَّان ( كان فقيها حافِظا متقنا ، ملازِماً للوَرَع الخَفِى ، مُحافِظاً على العِبادة الدائمة حتى ضُرِبَ بالسِّياط فعَصَمه الله ُ مِن البدعة ، وجعله إماماً يُقْتَدَى به وملجأ يُلْجَأ إليه ) .
والبِدْعَة التى عصمه اللهُ منها ، حتى ضُرِبَ بالسياط عليها ـ كما يقول ابن حبان ـ هى مِحْنَة القول بِخَلْقِ القُرآن ، فإنه امتنع عن القول بها فضُرِبَ وَسُجِن ( ودَخَلَ الكِير فخرج ذَهَباً ) كما كان يقول بِشْر بن الحارِث الحافِى .
كان فى أول أمره يحضر مَجْلِسَ القاضى أبى يوسف ، ثم أخذ عن الشافعى الحديث والفقه والأنساب القُرَشِيَّة ، وذهب إلى اليمن ليسمع مِن عبد الرَّزَّاق ، ودخل الكوفة ، والبصرة والجزيرة ومكة والمدينة والشام .
روى عن بشر بن المفضّل الرَّقَّاشى ، وسفيان بن عُيَيْنة ، ويحيى بن سعيد القَطَّان ، وعبد الرزاق ابن همام الصنعانى ، وسليمان بن داود الطيالسى ، وإسماعيل بن عُلّيَّة ، ومُعْتمر بن سليمان البصرى وغيرهم .
وَرَوَى عنه البخارىُّ ومسلمٌّ وأبو داودَ ، ووكيعُ بنُ الجَرَّاح ، ويحيى بنُ آدَم الكُوفى ، وعلىّ بنُ المَدِينِى وابنُ مَهْدِى ، وفيهم شيوخه وأقرانه وتلامذته .
تُوُفِّىَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل سنة 241هـ عن سبع وسبعين سنة ومناقبه أعظم من أن تُحْصَى (1)
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) علوم الحديث ومصطلحه – د / صبحى الصالح ط 7 سنة 1973 دار العلم - بيروت 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق