السبت، 13 أبريل 2013

﴿ يا أيُّهَا الذِينَ ءامَنُوا اسْتعِينُوا بالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرينَ﴾



قال الله تعالى :
﴿ يا أيُّهَا الذِينَ ءامَنُوا اسْتعِينُوا بالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرينَ   سورة البقرة : 153
بعد أن تحدث الله تعالى عما سيقول السفهاء من المنافقين واليهود والمشركين من أمر تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وبين أن هذه الأمة وسط بين الإفراط والتفريط خيار عدول وأن أمر تغيير القبلة العلة منه هو اختبار وامتحان المؤمنين وأنه لا يضيع أجرهم فى الصلاة التى صَلَّوْها إلى بيت المقدس قرابة سبعة عشر شهرا بل يجزيهم بها كاملة  وهذا مظهر من مظاهر رأفة الله بعباده ثم أخبرهم الله بأن أرسل إليهم النبى صلى الله عليه وسلم رسولا منهم يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم القرآن والسنة وما كانوا يجهلون من العلوم الشرعية ثم أمرهم أن يستعينوا بالصبر والصلاة فقال سبحانه ( يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) .     
الإستعانة : هى طلب العون من الله عز وجل قال تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين )(1) أى لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك ونبرأ من كل معبود دونك ومن عابديه ونبرأ من الحول والقوة إلا بك فلا حول لأحد عن معصيتك ولا قوة على طاعتك إلا بتوفيقك ومعونتك وقال عن نبيه يعقوب عليه السلام ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون )(2) وقال النبى صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله )(3) وقال فى دعائه ( اللهم أعنى على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك )(4)(5)
وهناك ماهو جائز من الإستعانة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه كاستعانة المسلم بأخيه أن يناوله شيئاً أو أن يقضى له حاجة ويؤيد ذلك قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )(6)
لكن ما يفعله بعض الجهال من الذهاب إلى القبور والأضرحة لِيَسْتَعِينُوا بأصحابها ويسألوهم من دون الله جَلْبَ نَفْعٍ أَوْ دَفْعَ ضُر فهذا شرك بالله منهى عنه لأنهم يسألونهم الأولاد والأرزاق وشفاء المرضى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ـ فالله المستعان ـ
------------------------------------------------------------------------------------------
(1) الفاتحة 5  (2) يوسف 18
(3) رواه الترمذى عن ابن عباس  - صحيح الجامع للألبانى رقم 7957
(4) رواه الترمذى عن معاذ بن جبل رضى الله عنه
(5) مختصر معارج القبول – هشام عقدة ص 125(6) المائدة 2

الصبر لغة : الحبس وهو حمل النفس على المكروه وتوطينها على إحتمال المكاره (1)
وهو كف النفس عن الجزع والسخط وحبسها عن شهواتها وكف اللسان عن الشكوى والثبات على أحكام الكتاب والسنة (2)
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى - :
والصبر صبران : فصبر على ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات والقربات والثانى أكثر ثواباً لأنه المقصود وأما الصبر الثالث فهو على المصائب والنوائب (3)
والصبر على طاعة الله تعالى هو وصية الله إلى خلقه قال تعالى ( فاعبده واصطبر لعبادته )(4) والصبر لا يفيد شيئا إذا لم يقترن بالتقوى سواء كان فى مجابهة النفس أو مجابهة الأعداء قال تعالى ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً )(5)
ولا تستعيد الأمة مركزها القيادى وعزتها ومجدها إلا بهذا الأسلوب ولذلك قال تعالى (لتبلون فى أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور )(6) والمؤمن يحتاج إلى زاد من الصبر للوقوف عند حدود الله قال تعالى ( إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين )(7) وفى قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز المثل الطيب والقدوة الصالحة للصابرين عند حدود الله تعالى قال سبحانه ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )(8)
ولما كان الإيمان بالقضاء والقدر من مقتضيات الإيمان بالله فقد أوصت النصوص الكثيرة بالصبر على الإبتلاء والمصائب ليستطيع الداعية مواجهة المشكلات التى تواجهه فى الحياة فلا يكترث بما يصيبه من عنف وإيذاء وفتنة قال تعالى فى وصية لقمان لإبنه ( يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور )(9)
-------------------------------------------------------------------------------------------
(1)أيسر التفاسير – الجزائرى ج 1 ص 75     (2) أصول المنهج الإسلامى ص 518
(3) تفسير ابن كثير                 (4) طه 132                (5) آل عمران 120
(6) آل عمران  186               (7) يوسف 90              (8) يوسف 24 
(9) لقمان 17

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
فكل من قام بحق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر فلا بد أن يؤذَى فما له من دواء إلا الصبر فى الله والإستعانة به والرجوع إليه  ا.هـ
والصبر على المصائب يعنى التسليم لأمر الله والخضوع لقضاء الله وقدره. قال ابن كثير : قال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب به واحتسابه عند الله رجاء ثوابه  ا. هـ
ومن الصبر على المصائب كذلك الصبر على المرض والمحن وهو مكفر للذنوب وللجنة ثمن مقدمه الصبر فى جميع الحالات قال تعالى ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا )(1) وأجود ما يستعان به على تحمل المصائب والقلق وضيق الصدر الصبر والصلاة (2)
الصلاة لغة : الدعاء والإستغفار والدعاء هو أصل معانيها ومنه قوله تعالى ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم )(3) أى ادع لهم والصلاة من الله : الرحمة وحسن الثناء ومن ذلك قوله تعالــــى ( هو الذى يُصّلِّى عليكم وملائِكتُه ..... )(4) والصلاة من الإنس والجن : القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح  .                                                                                       
وأصل الصلاة اللزوم وصلَى أى لزم فتكون الصلاة لزوم ما فرض الله تعالى وقيل : أصلها فى اللغة التعظيم وسميت الصلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى وقيل مشتقة من الصلة لأنها تصل الإنسان بخالقه وتقربه من رحمة ربه .                                              
والصلاة شرعا : هو أقوال وأفعال مخصوصة يقصد بها التقرب إلى الله تعالى تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم لها شروط وأركان وواجبات وسنن خاصة متعلقة بها .
والمراد بالأقوال : التكبير والقراءة والتسبيح ونحو ذلك
والمراد بالأفعال : القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه (5)
والصلاة هى الركن الثانى من أركان الإسلام بعد الشهادتين وأجمع المسلمون من السلف والخلف على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة على كل مسلم ومسلمة بالغين عاقلين على أن تكون المرأة غير حائض ولا نفساء ويؤمر بها الصبى متى بلغ سبع سنين ويضرب على أدائها متى بلغ عشر سنين (6)
وله الحمد سبحانه وتعالى جعل الصلاة فرقانا بين الإيمان والكفر وناهية عن الفحشاء والمنكر وجعلها من أكبر العون على تحصيل المصالح الدنيوية والأخروية ومغفرة الخطايا والذنوب .       
---------------------------------------------------------------------------------------
(1) الإنسان 12                   (2) أصول المنهج الإسلامى        (3) التوبة 103     
 (4) الأحزاب 43                (5) ، (6) الصلاة قرة عيون المؤمنين – د / طلعت زهران 

وإصلاح وشفاء الصدور والقلوب وتهذيب الجوارح والنفس وجعلها جالبة للرزق ودافعة للظلم وناصرة للمظلوم وقامعة للشهوات وحافظة للنعمة ودافعة للنقمة ومنزلة للرحمة وكاشفة للغمة ودافعة لأدواء القلوب والأجساد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى هريرة رضى الله عنه ( قم فصل فإن فى الصلاة شفاء ) وقد روى هذا الحديث موقوفا على أبى هريرة (1)
( إن الله مع الصابرين )
من الصفات الثابتة لله عز وجل المعية  فهو مع عباده سبحانه وتعالى أينما كانوا فقال سبحانه ( وهو معكم أينما كنتم )(2) وقال ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا )(3) وهذه معية عامة فالمعية نوعان :
1 – معية عامة كقوله تعالى ( وهو معكم أين ما كنتم ) ومعناها إحاطته بهم علما وقدرة وهو إجماع الصحابة والتابعين
2 – معية خاصة فهى معيته سبحانه لأحبابه وأوليائه فتلك غير المعية العامة فهو معهم بالرعاية والإعانة والكفاية والنصر والتأييد والهداية والتوفيق وغير ذلك مما تجفو عبارة المخلوق عنه ويقصر تعريفه دونه كقوله تعالى ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )(4) وقوله لموسى وهارون ( إنني معكما أسمع وأرى )(5) وكل ذلك لم ينف العلو فهو سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه بائن ( منفصل ) من خلقه ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وليس معنى معيته مع عباده أن يكون ذلك بالجوارح أو أنه تعالى مختلط بالخلق فهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وخلاف ما فطر الله عليه الخلق بل القمر آية من آيات الله ومن أصغر مخلوقاته وهو موضوع فى السماء وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان ومن أشار إلى غير هذا فإنما يشير إلى الإلحاد والحلول والإتحاد والله ورسوله بريئان منه (6)
-----------------------------------------------------------------------------------------
(1)الصلاة قرة عيون المؤمنين ـ الشيخ د / طلعت زهران  ص 4      (2) الحديد 4
(3) المجادلة 7                     (4) النحل 128                        (5) طه 46     
(6) معارج القبول – حافظ حكمى ص 164 ( بتصرف يسير )

معنى الآية الكريمة :
نادى الرب تعالى عباده المؤمنين وهو أهل ملة الإسلام ليرشدهم إلى  ما يكون لهم عونا على الثبات على قبلتهم التى اختارها لهم وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم نسيانه فقال ( يا أيها الذين ءامنوا استعينوا ... ) أى على ما طلب منكم من الثبات والذكر والشكر وترك النسيان والكفر بالصبر الذى هو توطين النفس وحملها على ما أمر الله تعالى به وبإقام الصلاة وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة فإذا صبروا نالهم عون الله وتقويته والآية التى تليها رقم 154 فقد تضمنت نهيه تعالى لهم أن يقولوا أن من قتل فى سبيل الله ميت إذ هو حى فى البرزخ (1) وليس بميت بل هو حى يرزق فى الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أرواح الشهداء فى حَواصِل طيور خُضْر تسرح فى الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى قناديل مُعَلَّقَة تحت العَرْش )(2) حَواصِل جمع حوصلة فلذلك لا يقال لمن قتل فى سبيل الله مات ولكن استشهد وهو شهيد وحى عند ربه حياة لا نحسها ولا نشعر بها لمفارقتها للحياة التى فى هذه الدار(3)

-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) البرزخ هو الحاجز والحد بين الشيئين وقيل أصله برزه فَعُرِّبَ ، وقوله تعالى ( بينهما برزخ لا يبغيان ) والبرزخ فى القيامة الحائل بين الإنسان وبين بلوغ المنازل الرفيعة فى الآخرة ( المفردات للراغب الأصفهانى)   (2) رواه مسلم (3) أيسر التفاسير- الجزائرى ج 1 ص 75 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق