الجمعة، 12 أبريل 2013

نُبْذَة عَن عِلْم القِراءات



نُبْذَة عَن عِلْم القِراءات

نشأة القِراءات
لقد بُعِث النبى صلى الله عليه وسلم لجميع الناس باختلاف ألْسِنتهم عكس ما كان عليه الأنبياء السابِقون ، فقد كانوا يُبعَثون إلى أقوامٍ مُعَيَّنين .
وفى الصحيحين عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( أُعْطِيتُ خَمْساً لَم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِن الأنبياء قَبْلِى ، نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَة شَهْر ، وَجُعِلَتْ لِىَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُورا ، فَأَيُّما رَجُلٌ مِن أُمَّتِى أَدْرَكَتْه الصلاةُ فَلْيُصَلِّ ، وأُحِلَّتْ لِىَ الغنائِم ، وَلَم تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى ، وَأُعْطِيَتُ الشَّفَاعَة ، وكان النبى يُبْعثُ إلى قَوْمِه خاصًّة وَبُعِثْتُ إلى الناسِ عامَّة ) .
كذلك القرآن الكريم ، اُنزِل للناس كافة ، فكان منهم الطفل والعَجوز والشَّيْخ الكبير والرَّجُل الذى لَم يقرأ القرآن قَطّ   .
والله سبحانه وتعالى أنزل القرآن مُيَسَّرا لا مُضَيَّقاً ، فأُمِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأه على سبعة أحرف لكى يسهل على القارِئ قِراءته وفهم معانيه ، ولكن يُشْتَرَط فى القراءة أن تكون نزل بها الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معنى ذلك أن لا ينفَرِد كُلٌ بِلُغَته ويقرأ ما يريد .
واختلف العلماء رحمهم الله تعالى فى : أين ومتى كانت نزول القراءات ؟ هل كان ذلك بمكة قبل الهجرة ؟ أم كان نزولها بالمدينة بعد الهجرة النبوية ودخول القبائل العربية المختلِفَة فى الإسلام ؟
للعلماء فى ذلك رأيان :
الأول : أن القراءات نزلت بمكة المكرمة قبل الهجرة النبوية . ودليلهم أن الأحاديث الوارِدَة فى نشأة القراءات تفيد أنها بمكة منذ بداية نزول القرآن الكريم ، منها قوله صلى الله عليه وسلــــــــم ( أَقْرَأَنِى جِبْريل على حَرْفٍ فراجَعْتُه ، فَلَمْ أَزَلْ أسْتَزِيده حتى انتهَى إلى سَبْعَة أَحْرُف ) أخرجه البخارى ومسلم وأحمد .
كما أن سور القرآن الكريم تنقسم إلى : مكية ومدنية ومعظمها مكية ، وفيها من القراءات ما فى السور المدنية ، ولا دليل على نزولها بالمدينة مرة ثانية ، فهذا يدل على أن القِراءات نزلت بمكة المكرمة ، كما يدل عليه حديث عمر رضى الله عنه مع هشام بن حكيم لأنهما اختلفا فى قراءة سورة الفرقان  .
الثانى : أنها نزلت بالمدينة بعد الهجرة النبوية لأنها نزلت للتيسير على الأمة بسبب اختلاف لَهَجات القبائل ولغاتهم ولم تكن الحاجة إليها إلا بعد الهجرة دخول القبائل المتجاوِرَة والمتباعِدَة فى الإسلام ، كما أنَّ اختلاف الصحابة فى القراءات كان بالمدينة ولم يكن ذلك فى مكة ، يدل على  ذلك حديث أُبَىّ بن كعب رضى الله عنه الآتى .
وقد حاول البعض الجمع بين القولين ، بأن بداية نزول القراءات كان مع بداية نزول القرآن الكريم بمكة ، حيث توجد القراءات فى السور المكية ، ولكن الحاجة لم تَدْعُ إلى استخدامها لوحدة اللغة واللهجة بمكة وما جاورها ، خِلافاً لِمَا حدث بعد الهجرة حيث دخلت فى الإسلام قبائل مختَلِفَة اللهجات واللغات . 

القراءات توقيفية
مِن المعلوم مِن الدِّين بالضرورة أن القرآن وَحْى رّبانِىّ أوْحاه اللهُ عز وجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين عليه السلام ، قال تعالى ( وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون مِن المُنْذِرِين * بِلِسانٍ عربى مبين )(1)
وَمَهَمَّة جِبريل عليه السلام تعليمه الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزاله عليه ، ومَهَمَّة الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغه للناس بأمرٍ مِن الله عز وجل ( يا أيها الرسول بَلِّغ ما أُنزل إليك مِن ربك وإن لَم تفعل رسالة فما بلغت رسالته )(2)
وليس للرسول صلى الله عليه وسلم أن يُغَيِّر حرفا مكان حرف أو كلمة مكان كلمة أخرى وهذا أمر مُجْمَع عليه فى الأمة الإسلامية ، وإذا كانت القراءات جزءاً مِن القرآن الكريم ، فهى كذلك مِن عند الله عز وجل ، ومُنَزَّلَة وحيا منه تبارك وتعالى ، وإذا كان الرسول صلى الله علي وسلم لا يستطيع أن يُغَيِّر فيه كما ذَكَرْنا فَغَيْره مِن باب أَوْلَى ، فإذاً القراءات توقيفية ليست اجتهاديَّة وليست اختيارية ، وهى سُنَّة مُتَّبًعَة ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اختلف الصحابة رضى الله عنهم ( هكذا أُنْزِلَتْ )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشعراء 192 ـ 195                    (2) المائدة 67 

والخلاصة : أن القراءات منزلة من عند الله عز وجل ومصدرها وَحْىٌ رَبَّانِىّ ، لا يجوز أخذها بالقياس أو الاجتهاد فى ألفاظ القرآن الكريم ، وهى وإن كانت تشتمل على اللغات واللهجات لكن لا يجوز الأخذ ولا القراءة بلهجة أو بِلُغَة إلا بِأثَرٍ ورواية مُسْنَدَة (3) .

أركان القراءة الصحيحة
وضع علماء القراءات ثلاثة أركان بالِغَة الدِّقَّة تُعْرَف بها القراءات المقبولة ، وتميزها عن غيرها من القراءات الشَّاذَّة المردودة ، وهذه الأركان هى :

1 ـ أن تكون موافِقَة للغة العربية ولو بِوَجْه :
بمعنى أن توافِق وجها مشهورا ، ومعتدا به ، مما قاله النُّحاة سواء أكان هذا الوجه هو الأصَحّ أم الصحيح ، لأن القراءة متى ثبتت بالسند المتواتر وموافِقَة رسم المصحف فلا ينبغِى أن ترد ، بل تصبح هى حُجَّة على قواعد النَّحْو لا تكون قواعد النحو حُجَّة عليها ، وقد أحسن الكوفِيون باحتجاجهم بقراءة الإمام حَمْزَة فى قوله تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم مِن نَفْسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبَثَّ منهما رِجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )(4) بِجَرِّ  ( الأرحام ) على أن يجوز العطف على المجرور دون إعادة الجَرّ ، والبصريون المُعارِضون لهذا يقولون : إن ( الأرحام ) جُرَّتْ على القَسَم تعظيماً لها ، وحثا على صلتها. فالقراءة سنة مُتَّبَعَة كما رُوِىَ عن زيد بن ثابت .

2 ـ أن تكون مُوافِقَة لِخَطِّ أَحَد المَصاحِف العُثْمانية ولو إحتمالاً :
فيكفى لتحقق هذا الشرط أن تكون القراءة ثابتة فى بعض المصاحف العثمانية دون البعض الآخَر ، كقراءة ابن عامِر الشَّامِى ( وقالوا اتخذ اللهُ ولدا )(5) مِن غير واو ( قالوا ) ، وقوله تعالـــــــى ( والزُّبُر والِكتاب المُنِير )(6) بزيادة ( الباء ) فى الاسمَيْن ( وبالزُّبُر وبالكِتاب المُنِير ).فإن ذلك ثابت فى المصحف الشامى ، فلو لم تكن القراءة موافِقَة لأحَد المصاحِف لكانت شَاذَّة ولا يُشْتَرَط أن تكون الموافقة صريحة ، بل يكفى أن تحصل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) المُقَدِّمَة فى علم القراءات – بدرية الحسن ص 23 ـ 25           
(4) النساء 1     (5) البقرة 116                (6) آل عِمران 184 

الموافقة ولو تقديرا ، إذ يحتملها الخَطُّ إحتمالا ، كما فى قوله تعالى ( مَلِك يَوْم الدِّين )(1) فإنها كُتِبَت مِن غير اَلِف فى جميع المصاحِف ، فقرءاة الحَذْف توافق الرسم تحقيقا ، وقراءة الأَلِف توافِقُه تقديرا ، لحذفها فى الخَط اختصاراً .      
3 ـ صِحَّة السَّنَد المُتَواتِر :
وهذا الركن شرط لصحة الرُّكْنَيْنِ السابِقَيْنِ  وهو أن يأخذ القراءة عن شَيْخ مُتْقِن فَطِن اتَّصَلَ سَنَدُه بالنبى صلى الله عليه وسلم .
فإن تَوافَرَت هذه الأركان والضوابِط فى قراءة حَكَمْنا ـ ونحن مطمئِنُون ـ بصحتها وأنها قرآن يُتْلَى وَيُصَلَّى به ، وإذا اخْتَلَّ رُكْنٌ مِن هذه الأركان الثلاثة كانت القراءة شاذَّة .
ويرى جمهورُ العُلَماء مِن الأُصُوليين وفقاء المَذَاهِب الأربعة ، والمُحَدِّثِين والقُرَّاء أن شرط القراءة الصحيحة التواتر ، ولا تَثْبُت بالسَّنَد الصحيح غير المتواتِر ، والقراءة التى تُكْتَب بِسَنَد غير مُتواتِر لا تُسَمَّى قُرآناً ولا يُقْرأ بها ، لأن مِن تعريف العلماء للقرآن قولهم : ( المنقول إلينا بالتواتر ) .

بعض الأحاديث الدَّالَة على نزول القرآن على سبعة أحرف
1ـ حديث عُمَر بن الخَطَّاب رضى الله عنه . يقول : سَمِعْتُ هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستمَعْتُ لِقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئْنِيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فَكِدْتُ أُساوِره فى الصلاة فَتَصَبَّرْتُ حتى سَلَّمَ فَلَبَبْتُه بِرِدائه ، فقلتُ : مَن أَقْرَأَكَ هذه السورة التى سمعتُ ك تقرأ ؟ فقال : أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلتُ له : كَذَبْتَ ، أقرأنيها على غير ما قرأتَ ، فانطَلَقتُ به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : إنى سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لَم تُقْرِئْنِيها. فقال : أَرْسِلْه. فقال اقرأ يا هِشام ، فقرأ القراءة التى سمعتُه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذلِك أُنْزِلَتْ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ يا عُمَر ، فقرأتُ التى أَقْرِأَنِى . فقال : كذلك أُنْزِلَتْ إن هذا القرآن أُنْزِلَ على سَبْعَةِ أَحْرُف ، فاقرؤوا ما تَيَسَّرَ منه )(2) .

2 ـ عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَقْرَأَنِى جِبْريلُ على حَرْفٍ فَرَاجَعْتُه فَلَم أَزَلْ أسْتَزِيده ويزيدنى حتى انتهَى إلى سَبْعَةِ أَحْرُف )(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفاتحة 4         (2) أخرجه  أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجَه
(3) رواه البخارى ومسلم

3 ـ عن أُبَىّ بن كَعْب رضى الله عنه قال : ( إن النبى صلى الله عليه وسلم كان عند أَضاة بنى غِفار. فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن الله يأمرك أن تَقْرَأَ أُمَّتكَ القرآن على حرف ، فقال : أسأل اللهَ مُعافاته ومَغْفِرته ، وإن أُمَّتِى لا تُطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حَرْفَيْنِ ، فقال : أسأل الله َمُعافاته ومغفرته ، وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الثالثة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال : أسأل اللهَ معافاته ومغفرته وإن أمتى لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الرابِعَة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف ، فَأَيُّما حَرْفٍ قَرَؤوا عليه فَقَد أَصابوا )(1)

الحِكْمَة مِن إنْزال القرآن على سبعة أحرف
هو التخفيف والتيسير على الأمة المحمدية ، لأن العرب الذين أُنْزِلَ القرآن بِلُغَتِهم، ألسنتهم مختلفة ولهجاتهم مُتباينَة ، فلو كلفهم اللهُ تعالى مُخالَفة لهجاتهم والعُدُول عنها إلى غيرها لَشَقَّ ذلك عليهم ، ولكان مِن قَبيل التكليف بما لا يدخل تحت الطاقة ، وهذا أمر يتنافَى مع سماحة الإسلام ويُسْرِه .

المراد بالأحْرُف السَّبْعَة
الحَرْف فى اللُّغَة : الطَّرَف والجانِب ، وبه سُمِّى الحَرْف مِن حروف الهِجاء .
وقال ابنُ مَنظورٍ صاحب كتاب لسان العرب : وكل كلمة تُقْرأ على الوَجْه مِن القرآن تسمى حرفا. تقول هذا فى حرف ابن مسعود أى فى قراءة ابن مسعود .
وقال غيره : المراد بالحرف : اللُّغَة .
هذا فى اللغة ، فما المراد إذن بالأحرف فى الأحاديث ؟
لقد اختلف العلماء فى المراد بالأحرف السبعة اختلافا كثيرا حتى بلغَتْ الأقوال إلى أكثر مِن أربعين قولا. منها ما يصلح للإعتبار والنظر ، ومنها أقوال قد قالها قائِلون مِن غير أن يكون لهم سَنَد مُعْتَبَر.
ويذكر العلماءُ أن مِن أحسن الأقوال وأقربها للصواب هو قول الإمام فَخْر الدِّين أبى الفَضْل عبد الرحمن الرَّازِى المُتَوَفَّى سنة 454 هـ ، وقول الإمام محمد بن الجَزَرِى المتوفى سنة 833 هـ رحمهما الله تعالى ، وسنورد فى هذا المقام قول الإمام الرَّازِى ، وهو أن المراد بالأحرف السبعَة الأوجه الى يقع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم   
                         
بها التَّغايُر الإختلاف ، وهذه الأوْجُه لا تخرج عن سَبعة :
1 ـ اختلاف الأسماء بالإفراد والتَّثْنِيَة والجَمْع والتَّذكير والتأنيث نحو :
ـ  قوله تعالى ( وأحاطت به خطيئته )(2) قُرِئَ ( خطيئته ) بالإفراد وقُرِئَ ( خطيئاته ) بالجَمْع
ـ  قوله تعالى ( مِن الذين اسْتَحَقَّ عليهم الأَوْلَيان )(3) قِرئ ( الأوْلَيان ) مُثَنَّى أَوْلَى ، وقُــــــــرِئ ( الأَوَّلِين ) جمع أَوَّل .
ـ  قول تعالى ( فإن يَكُن مِنْكُم مِائَة )(4) قرئ ( يَكُن ) بياء التذكير ، و ( تَكُن ) بتاء التأنيث .

2 ـ اختلاف تصريف الأفعال مِن ماضٍ ومضارِع وأمر نحو :
ـ  قوله تعالى ( وَمَن تَطَوَّعَ )(5) قرئ  ( تَطَوَّعَ ) فعل ماضٍ ، وقُرِئ ( يَطَّوَع ) فعل مضارع .

3 ـ اختلاف وجوه الإعراب نحو :
ـ  قوله تعالى ( وإن تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها )(6) قرئ ( حَسَنَةً ) بالنصب ، و ( حَسَنَةٌ ) بالرفع .

4 ـ الاختلاف بالزيادة والنقصان نحو :
ـ  قوله تعالى ( وسارِعوا إلى مَغْفِرَةٍ )(7) قرِئ بإثبات الواو قبل السين وقُرِئ بحذفها .

5 ـ الاختلاف بالتقديم والتأخير نحو :
ـ  قوله تعالى ( وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا )(8) قرئ ( وَقُتِلوا وقاتَلوا ) بتقديم ( وَقُتِلوا ) وتأخير ( وقاتَلوا ) .

6 ـ الاخْتِلاف بالابدال، أى يجعل حرف مكان حرف نحو :
ـ  قوله تعالى ( وانظُر إلى العِظام نُنْشِزُها )(9) قرئ ( نُنْشِزُها ) بالزَّاى وقُرِئ ( نُنْشِرُها ) بالراء

7 ـ الاختلاف فى اللَّهَجات نحو :
ـ  الفَتْح والإمالَة والإدغام والإظهار ، وإبدال الهَمْزَة وتحقيقها ، ونقل حَرَكة الهمزة أو إبقائها ، إلى غير ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) البقرة 81                                       (3) المائدة 107  
(4) الأنفال 66       (5) البقرة 158            (6) النساء 40
(7) آل عمران 133     (8) آل عمران 195   (9) البقرة 259

القِراءات السَّبْع وَصِلتها بالأحرف السبعة 
ليس المقصود بالأحرف السبعة القِراءات السَّبْع ، لأن القِراءات السبع بل والقراءات العشر جزء مِن الأحرف السبعة التى أُنْزِلَ بها القرآن الكريم كما ورد فى الحديث ( إن هذا القرآن أُنْزِلَ على سَبْعَة أَحْرُف فاقرؤوا ما تَيَسَّر منه ) أخرجه البخارى وباقى الأئمة الستة سِوَى ابن ماجه
وقال ابن الجَزَرِى رحمه اللهُ تعالى ما نصه : وكان مِن جواب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ( لا نِزاع بين العلماء المُعتبَرين أن الأحرف السبعة التى ذكر النبى صلى الله عليه  وسلم أن القرآن أُنْزِلَ عليها ليست قراءات القراء السبعة المشهورة ، بل أول مَن جَمع ذلك ابنُ مًجاهِد ، ليكون ذلك موافِقا لِعدد الحروف التى أنزل عليها القرآن . لا لاعتقاده واعتقاد غيره مِن العلماء أن القراءات السبع هى الحروف السبعة ، أو أن هؤلاء السَّبْعَة المُعَيَّنِين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم ) .

هل القرآن الذى كَتَبَه عُثْمانُ رضى الله عنه اشْتَمل الأَحْرُف السبعة ؟
اختَلَف العلماء على ثلاثة أقوال :
الأول : ماذهب إليه الطَّبرىُ والطَّحاوىُ وغيرُهما ، أنه على حرف واحد وهو حرف قُرَيْش فقط ، وذلك للنجاة بالأمة مِن الاختلاف فى كتاب ربها اختلاف اليهود والنصارى فى كتبهم واستدلوا على ذلك بقول عثمان رضى الله عنه للرهط القُرَشِيين ( إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ) .

الثانى : ما ذهب إليه جماعةٌ مِن الفقهاء والقراء إلى اشتمال المصاحِف العثمانية على الأحرف السبعة جميعا ومِن حُجَجِهم : بأنه لا يجوز للأمة إهمال شئ مِن الأحرف لكونها مُنَزَّلَة قرآناً .

الثالث : ما ذهب إليه جماهيرُ العلماء مِن السّلَف والخَلَف إلى أن المصاحِف فى مجموعها تشتمل على ماثَبَتَ فى العَرْضَة الأخيرة مِن الأحرف السبعة ، فليس كل مُصْحَف بمفرده يشتمل على  جميع الأحرف السبعة ، بل الثابت من الأحرف السبعة منتشِر فى المصاحِف العثمانية كلها .

وقال ابن الجَزَرِى رحمه اللهُ تعالى فى نَشْرِه : ( وهذا القول هو الذى يظهر صوابه ، لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهَد له )(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المُقَدِّمَة فى عِلْم القراءات ـ بَدْرِيَّة الحَسن  ص 26 ـ 32

الفرق بين القرآن والقراءات والتجويد
القرآن : هو كلام الله المُعْجِز ، المُنَزَّل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله بن عبد المُطَّلِب صلى الله عليه وسلم . بواسِطَة جِبْرِيل عليه السَّلام ، المكتوب فى المصاحِف ، المَنْقُول إلينا بالتواتر ، المُتَعَبَّد بتلاوته ، المَبْدوء بسورة الفاتِحَة ، المختوم بسورة الناس ، أَنْزَلَه الله  تبارَكَ وتعالى مِنْهاجا للأمة ، وهداية للخَلْق ، وليكون آيَة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبرهانا ساطِعا على نُبُوَّته ورسالته ، وحجة قائِمَة إلى يوم الدِّين ، وهو المُعْجِزَة الخالِدَة التى تتحدى الأجيال والأمم على كَرِّ الأزمان ومَرِّ الدُّهور .

القراءات : هو عِلْم يُعْرَفُ به كيفية النطق بالكلمات القرآنيَّة ، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا مع عَزْوِ كُلِّ وجهٍ لناقِلِه .
وقيل أيضا : هى اختلاف ألفاظ الوحى المذكورة فى الحروف أو كيفيتها مِن تخفيف وتثقيل وإبدال وتسهيل وغيرها ، وهى توقيفية وليست اختيارية خِلافا لجماعة منهم الزَمَخْشَرِى حيث ظَنُّوا أنها اختيارية تدور مع اختيار الفُصَحاء واجتهاد البُلَغاء ( فهما يلتقيان فى أن كلاً منهما مُنَزَّل مِن عند الله ) .

التَّجْوِيد : هو عِلْم يبحث فى كيفية أداء كلمات القرآن الكريم مِن حيث إخراج كل حرف مِن مَخْرَجِه وإعطاؤه حقه ومُسْتَحَقَّه مِن الصفات اللازِمَة والعارِضَة 

مِن خصائِص القراءات
1 ـ تعضيدها لِفَن التَّفْسير بحيث لا يستغنى عنها أحدٌ من المُفَسِّرِين .
2 ـ استنباط المسائل الفقهية وما يتفرع منها مِن الخِلاف .
3 ـ تُبَيِّن حُكْما مُجْمَعا عليه .
4 ـ يُرَجَّح بها حُكْما اخْتُلِفَ فيه .
5 ـ توضِّيح حكم يقتضى الظاهِر خِلافه .
6 ـ إن فى اختلاف القراءات مِن دَقيق الإشارات وكمين الأسرار ، ولطيف الحِكَم ما يَكِلُّ عَنه الوصف ، ويقف دونه البيان ، فما مِن قراءة إلا وهى تدل على نهاية البلاغة ، وكمال الإعجاز ، وسهولة الحفظ ، وتيسير الفهم . 
7 ـ إنها وسيلة الضبط لمجاميع الإختلاف مِن التَّشديد والتخفيف وهو أمر لا بد منه لِصَوْن كلام الله ، ولولاه لَتَطَرَّق إلى القرآن التحريف واعْتَرَاهُ التغيير ، فالقراءة كالحِصْن الحصين الذى يدافِع عما لا يليق به .
8 ـ إنها مِن بدائِع القرآن ، فأما الصُّحُف السَّماوِيَّة الأُخْرَى ، فقد انعَدَم فيها هذا الفن ونحوه مِن فَن القراءة دور عظيم فى تحريفها وتغييرها عما كانت عليه مِن قَبْل .
9 ـ إنها بعثتْ أرباب الهِمَم العالية على التقديم إلى ضبط القراءة وحفظها فى أكْباد الكُتُب فأكثَروا مِن التأليف فيها حتى يَرْبُو عددها الآن على المِئَات . ولو ضَمَمْنا إليها ما أُلٍّفَ فى التَّجْوِيد وكشف وجوه القراءات وما يتعلق بجميع العلوم القرآنية لقفز عددها إلى ملايين الكتب ، فَقُصارَى الأمر إن القراءة لها اليَدُ الطُّولَى فى ازدِهار اللُّغَة العربية مع جميع أنواعها فهى مِلاك الفنون كلها ومَبْناها .
10 ـ إنها تحافظ على لَهَجات القبائل (1) .

مبادِئ علم القراءات

إنَّ مَبادِئَ كُلِّ فـــــَنٍّ عَشَــــــرَة      الحَدُّ(2) والمَوْضُـــوعُ ثُمَّ الثَّمَــرَة
وَفَضْلُـــــهُ ونِسْبَـــةُ الواضِـــــعِ      والاسْمُ والاسْتِمْدادُ حُكْمُ الشِّــــارِعِ
مَسَائِلٌ والبّعْضُ بِالبَعْضِ اكْتَفَى       ومَن دَرَى حــــــازَ الشَّــــــــرَفا

ـ تعريفه : هو علم يُعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية ، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا مع عَزْوِ كل وَجْهٍ لِناقله .

ـ موضوعه : كلمات القرآ ن الكريم مِن حيث أحوال النطق بها وكيفية أدائها .

ـ ثمرته وفائدته : العِصْمَة مِن الخَطأ فى النطق بالكلمات القرآنية ، وصيانتها مِن التحريف والتغيير ، بما يقرأ به كلٌ مِن أئمة القراءة ، والتمييز بين ما يُقْرأ وما لا يقرأ به إلى غير ذلك مِن الفوائد .

ـ فَضْله : أنه مِن أشرف العلوم الشرعية ، أو هو أشْرَفها لشدة تعلقه بأشرف كتاب سَمَاِوِىّ مُنَزَّل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقدمة فى علم القراءات ـ بدرية الحسن ص 31 ،32                              (2) أي التعريف

ـ نسبته إلى غيره مِن العلوم : التَّبايُن .

ـ واضِعه : أئمة القُرَّاء ، وقِيل أبو عُمَر حفص بن عمر الدُّورِى . وأَوَّل مَن دَوَّن فيه أبو عُبَيْد القاسم بن سَلاَم .

ـ اسمه : عِلم القِراءات جمع قراءة بمعنى مَقْروء به .

ـ استمداده : مِن النُّقول الصحيحة والمتواترة عن علماء القراءات الموصولَة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ـ حُكْم الشَّارِع فيه : الوُجُوب الكِفائِى تَعَلُّماً وَتَعْلِيماً .

ـ مسائله : قواعده الكُلِّيَّة كَقَوْلِهم : كُلُّ أَلِفٍ مُنْقَلِبَة عن ياء يميلها حَمْزَة والكِسائى وخَلَف العاشِر ويقَلِّلها وَرْشٌ بِخُلفٍ عنه . وكل راءٍ مَفْتوحَة أو مَضمومة وَقَعَتْ بعد كَسْرَة أصلية أو ياء ساكنة يرققها وَرْش ، وهكذا .

أول مَن دَوَّن فى علم القرءات
قَيَّضَ اللهُ تعالى لكتابه المجيد الذى ( لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا مِن خلفه تنزيل مِن حكيم حميد ) مَن دَوَّنَ وُجُوهَ قراءاته ، وضَبَطَ طُرَقَ رواياته ، فاجتهدوا فى ذلك حق الإجتهاد ، وبذلوا النصح فى ذلك لله ورسوله والعباد فأخذوا فى جمع ذلك وتدوينه فاستفرَغُوا فيه وُسْعَهُم وبذلوا جُهْدَهم ، فكان أول إمام مُعْتَبَر جَمَعَ القراءات فى كِتاب هو  أبو عُبَيْد القاسٍم المتوفى سنة 224 هـ حيث أَلَّفَ كِتاب ( القراءات ) جَمَع فيه قِراءَة خمسة وعشرين قارِئَاً . ثُم تلاه كثير مِن العلماء رحمهم اللهُ .
الفَرْق بين القِراءات والروايات والطَّرُق والخِلاف الواجب والجائز

خلاصة ما قاله علماء القراءات فى هذا المقام أنَّ :
كل خلاف نُسِبَ لإمام مِن الأئمة العَشَرَة مما أجمع عليه الرواةُ عنه فهو قراءة .
وكل ما نُسِبَ للراوى عن الإمام فهو رواية .
وكل ما نُسِبَ للآخِذ عن الراوى وإن سفل فهو طريق . نحو :
الفتح فى لفظ ( ضَعْف ) فى سورة الروم قراءة حمزة ، ورواية شُعْبَة ، وطريق عبيد بن الصباح عن حَفْص وهكذا .
وهذا هو الخِلاف الواجب ، فهو عين القراءات والروايات والطرق ، بمعنى أن القارِئ مُلْزَم بالإتيان بجميعها ، فلو أخَلَّ بشئ منها عُدَّ ذلك نقصاً فى روايته كأوجه البَدَل مع ذات الياء لورش ، فهى طُرُق، وإن شاع التعبير عنها بالأوجه تساهُلاً .
وأما الخِلاف الجائز فهو خِلاف الأوْجُه التى على سبيل التخيير والإباحَة كأوجه البَسْمَلَة ، وأوجه الوقف على عارِض السكون ، فالقارِئ مُخَيَّر قى الإتيان بأى وجه منها غير مُلْزَم بالإتيان بها كلها ، فلو أتى بوجه واحد منها أجزأه ، ولا يعتبر ذلك تقصيراً منه ولا نقصا فى روايته ، وهذه الأوجه الإختيارية لا يقال لها قِراءات ولا روايات ولا طرق بل يقال لها أوْجُه فقط .(1)
-----------------------------------------------------------------------------
(1) المقدمة فى علم القراءات ـ بدرية الحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق