الاثنين، 15 أبريل 2013

معنى الإيمان



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
تعريف الإيمان :
أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف والأمانة والأمان فى الأصل مصادر ويُجْعَل الأمان تارةً اسما للحالة التى يكون بها الإنسان فى الأمن ، وتارة اسما لِما يُؤَمَّن عليه الإنسان نحو قوله ( وتخونوا أماناتكم ) أى ما ائتُمِنتم عليه ، وقوله ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ) ، وقيل كلمة التوحيد وقيل العدالة ، وقيل حروف التَّهَجِّى وقيل العقل وهو صحيح فإن العقل هو الذى لحصوله يتحصل معرفة التوحيد وتجرى العدالة وتُعْلَم حروف التهجى بل لحصوله تَعَلُّم كل ما فى طَوْق البشر تَعَلُّمه ، وفعل ما فى طَوْقهم من الجميل فِعْله وبه فُضِّل على كثير ممن خلقه .          
وآمَنَ إنما يقال على وجهين أحدهما متعديا بنفسه يقال آمَنْتُه أى جعلتُ له الأمْن ومنه قيل لله ( المُؤْمِن ) والثانى غير مُتَعدٍ ومعناه صار ذا أمْن .                                                       
والإيمان يستعمل تارة اسماً للشريعة التى جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم كقوله ( الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون ) ، ويوصف به كل مَن دخل فى شريعة مُقِرَّاً بالله وبنبوته قيل وعلى هذا قال تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) وتارة يستعمل على سبيل المدح ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء ، تحقيق القلب ، وإقرار اللسان ، وعمل بحسب الجوارح . وعلى هذا قوله تعالى ( والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) ويقال لكل واحد من الإعتقاد والقول والصدق والعمل الصالح إيمان ، قال تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أى صلاتكم ، وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان ، وقال تعالى ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) قيل معناه ، بمصدق لنا إلا أن الإيمان الذى معه أَمْن (1)
فأما الإيمان فى الشريعة فَلإطلاقه حالتان :
الأولى : أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر اسم الإسلام فحينئذ يراد به كل القول والعمل .
الثانية : أن يطلق مقرونا بالإسلام وحينئذ يفسر بالإعتقادات الباطنة كما فى حديث جبريل .
--------------------------------------------------------------------------------------------
(1) المفردات فى غريب القرآن ـ الراغب الأصفهانى

وما فى معناه، كقوله تعالى ( الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ) فى كثير من الآيات ، وكقوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم مَنْ أحْيَيْتَه مِنَّا فَأَحْيِهِ على الإسلام ومَن تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فتوفَّه على الإيمان )(1)
وذلك أن الأعمال بالجوارح إنما يتمكن منها فى الحياة أما عند الموت فلا يبقى غير قول القلب وعمله .                                                                                                     
قال الأوزاعى رحمه الله :
كان مَن مَضَى مِنَ السلف لا يُفَرِّقُون بين العمل والإيمان ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار : أما بعد ، فإن الإيمان فرائض وشرائع فَمَنِ استكْمَلَها فقدِ استَكْمَلَ الإيمان ، ومَن لَمْ يستكملها لَمْ يستكمل الإيمان ) (2)
وقصد الأئمة الرد على أهل البدع الذين أخرجوا الأعمال من الإيمان أو قَصَروا الإيمان على بعض أجزائه ، كما قالوا : إن الإيمان هو مجرد التصديق أو غير ذلك من مقالات المُبْتَدِعة الذين قالوا : لا يضر مع الإيمان شئ . ومذهب أهل السنة والجماعة الذى يقضى بأن الدِّين الذى لا ينجو أحد إلا به قول وعمل ، وهذا معنى الإيمان الذى قَصَدَه السلف .                                                  
فالإيمان قول بالقلب واللسان وعمل بالقلب واللسان والجوارح :
فقول القلب : هو تصديقه وإيقانه ( والذى جاء بالصِّدْقِ وَصَدَّقَ به أولئك هم المتقون ) (3) ، وقوله تعالى ( إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم أنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون ) (4) أى صَدَّقُوا ثم لم يَشُكُّوا .                                                    
وقول اللسان : وهو النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمها قال تعالى ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (5)
وعمل القلب : وهوالنِّيَّة والإخلاص والمحبة والإنقياد والإقبال على الله عز وجل والتوكل عليه، ولوازم ذلك وتوابعه قال تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه. .)(6)
وفال تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قلوبهم وإذا تُلِيَتْ عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون )(7) وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )(8)
-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين     (2) عَلَّقَه البخارى فى أول كتاب الإيمان
(3) الزمر 33                                       (4) الحجرات 15                                                                                   (5) الأحقاف 13                                    (6) الأنعام 52 (7) الأنفال 2
(8) رواه أحمد والبخارى ومسلم والنَّسَائِى وابن ماجه رحمهم الله تعالى عن أنس رضى الله عنه

وعمل اللسان والجوارح : فعمل اللسان ما لايُؤَدَّى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك ، وعمل الجوارح ما لا يؤدَّى إلا به كالصيام والركوع والسجود والمَشْى فى مرضاة الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك مِمَّا فى شُعَبِ الإيمان ، قال تعالى ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنْفَقُوا مما رزقناهم سِرَّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) (1) وقال تعالى ( إن الله اشترَى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بِأن لهم الجنة يقاتِلون فى سبيل الله فَيَقْتُلونَ ويُقْتَلون وعد عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن وَمَنْ أَوْفَى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) (2)

أقوال المُخالِفين لأهل السُّنَّة والجماعة فى الإيمان :

1 - قال ابن الراوندى ومن وافقه مِن المُعْتَزِلة وغيرهم : إن الإيمان هو مجرد التصديق فقط ، وعلى هذا القول يكون اليهود الذين أقروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستيقنوها ولم يتبعوه مؤمنين ، قد نفى الله عنهم الإيمان .                                                                      
2 - قال جَهْمُ بن صَفْوَان وأتباعه : هو المعرفة بالله فقط ، وعلى هذا القول لسه على وجه الأرض كافر بالكلية إذ لا يجهل الخالق سبحانه أحد .                                                            
3 - وقال المُرْجِئة (3) والكَرَّامِيَّة : الإيمان هو إقرار باللسان دون عقد القلب ، فيكون المنافقون على هذا مؤمنين ، وقد قال الله فيهم ( ولا تُصَلِّ على أحدٍ منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ..) (4)
4 - وقال آخًرون ( مِن المُرْجِئَة ) : التصديق بِالجَنَان والإقرار باللسان ، فخرج أركان الإسلام الظاهرة المذكورةوحديث جبريل عليه السلام ، وكلامهم هذا ظاهر البُطْلان .                       
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : المُرْجِئَة ثلاثة أصناف :
الذي يقولون : الإيمان ما فى القلب ، ثم مِن هؤلاء مَن يُدْخِل فيه أعمال القلوب ، وهم أكثر فرق المرجئة ومنهم من لا يُدْخِلها ... كَجَهْم ومن اتبعه ... ، القول الثانى : مَن يقول هو مجرد قول اللسان ، وهذا لا يُعْرَف لأحد قبل الكَرَّامِيَّة ... القول الثالث : تصديق القلب وقول اللسان ، وهذا هو المشهور عند أهل الفقه والعبادة منهم ( مجموع الفتاوى ج7 ص 195 )
------------------------------------------------------------------------------------------
(1) فاطر 29                         (2) التوبة 111               (3) أى صِنْفٌ منهم وليس كلهم ولا أكثرهم                               (4) التوبة 84 ، 85

5 - وذهب الخوارج والعلاَّف ومَن وافَقَهُم إلى أنه الطاعة بِأَسْرِها فَرْضاً كان أو نَفْلا (1) ، وهذا القول مصادِم لتعليم النبى صلى الله عليه وسلم لوفود السائلين عن الإسلام والإيمان كما قال له السائل فى فريضة : هل عَلَىَّ غَيْرها ؟ قال : لا ، ( إلا أن تَطَّوَّع شيئاً )
6 - وذهب الجُبائى وأكثر المعتزلة البَصْرِيَّة إلى أنه الطاعات المفروضة مِنَ الأنفال والتروك (2) دون النوافل (3) وهذا أيضا يُدْخِل المنافقين فى الإيمان وقد نفاه الله عنهم .                           
7 - وقال الباقون من المعتزلة : العمل والنطق والإعتقاد ، والفرق بين هذا وبين قول السلف أن السلف لم يجعلوا كل الأعمال شرطا فى الصحة بل جعلوا كثيرا منها شرطا فى الكمال ، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : مَنِ استَكْمَلَها فقدِ استكمل الإيمان وَمَن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان والمعتزلة جعلوها كلها شرطا فى الصحة ، والله أعلم ( 4 )
------------------------------------------------------------------------------------------
(1) لا شك أن الإيمان المُطْلَق الكامل يشمل ذلك كله ولكن كلام هذه الطوائف هنا فى مطلق الإيمان الذى إذا قَصَّرَ العبدُ فى شئ فيه كان كافرا .                                                             
(2) لا شك أن الإيمان المطلق يشمل جميع الطاعات كما قلنا ، وإنما الكلام هنا فى مطلق الإيمان الذى لا يصح إلا به ، فهؤلاء يُخْرِجون من الإيمان من ترك طاعة من الطاعات المفروضة ، أما أهل السنة فلم يعتبروا كل الطاعات المفروضة شرطا فى الصحة ولم يُخْرِجوا مَن قَصَّرَ فيها من الإيمان بالكلية ، وإنما ينتقص من إيمانه بقدر معصيته أو يخرج من دائرة الإيمان المطلق إلى مطلق الإيمان ، والله أعلم .                                                                                
(3) ودون عمل القلب واعتقاده               (4) مختصر معارج القبول – الشيخ / هشام عُقدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق