الثلاثاء، 9 أبريل 2013

سماحة الإسلام فى تشريع حقوق أهل الذمة



                       سماحة الإسلام فى تشريع حقوق أهل الذمة 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
لا تخافوا يا غير المسلمين من حكم الإسلام، فحقكم كَفَلَه اللهُ تعالى والنبىُ صلى الله عليه وسلم .
أهل الذمة : هم من يعقد معهم عقد العهد والضمان والأمان وهم الذين يؤدون الجزية من المشركين كلهم. 
والذمي هو: كل كافر بالغ عاقل حر ذكر ممن يقيم في دار الإسلام قادر يجوز إقراره على دينه بالجزية". أو "إقرار بعض الكفار على كفرهم ببذل الجزية والتزام أحكام الملة".
 ما ينتقض به عقد الذمة:
عقد الذمة إذا تم عقده في حق المسلمين لازم، إذ لا يملك المسلمون أن ينقضوه بحال طالما التزم أهل الذمة بما عليهم. أما أهل الذمة فيجب عليهم الوفاء به ماداموا في دار الإسلام، وإذا نقضوه صاروا من أهل الحرب، يحل منهم ما يحل من أهل الحرب.
لذلك إذا أرادوا استمرارية عقد الذمة في حقهم فيلزمهم أن يمتنعوا من جملة أعمال فيها من المعاصي والفسق ما يسيء إلى شريعة الله وما يؤذي المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم ومشاعرهم، فأهل الذمة قد أحاطهم الإسلام بكل أسباب الرعاية والصون ودرأ عنهم كل مظاهر العدوان والشر فمن واجبهم أن لا يسيئوا إلى الدار التي يقيمون فيها حيث الأمان والسلام، وإلا انتقض عهدهم ونبذ إليهم، وصاروا حلال الدم والمال، ولذلك عني الفقهاء بذكر الأمور التي ينتقض بها عهد الذمة على النحو التالي:
1- الامتناع عن دفع الجزية للمسلمين: فإن رفض إعطاء الجزية فإن عهده انتقض وحل دمه وماله عند الجمهور خلافا للأحناف.
2- عدم الالتزام بحكم الإسلام: فالتزام أحكام الإسلام هو قبول كل ما يحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم؛ لأن معنى عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة. لأنهم لو التزموا الملة لكانوا مسلمين، لكن التزام أحكام الملة، أي: ما حكمت به الشريعة الإسلامية عليهم من أداء الحقوق وترك المحرمات. فإن لم يلتزموا أحكام الملة، بأن صاروا يجهرون بشرب الخمر ويعلنونه، ولا يلتزمون بإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه ولا يتورعون عن نكاح ذوات المحارم في غير المجوس؛ لأن المجوس يرون أن نكاح ذوات المحارم جائز، لكن اليهود والنصارى لا يرون ذلك، فإذا أبى التزام أحكام الإسلام انتقض عهده ونبذ إليه.
3- التعدي على مسلم بقتل أو فتنة في دينه: فإن تعدى الذمي على مسلم أو مسلمة بقتل فإن عهده ينتقض حتى لو عفا أولياء المقتول فإن عهده ينتقض؛ لأن أولياء المقتول إن طالبوا بالقصاص اقتص منه، وإلا لم يقتص منه، لكن بالنسبة للعهد ينتقض.
عن أنس -رضي الله عنه-: (أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، قيل من فعل هذا بك؟ أفلان، أفلان؟؟ حتى سمي اليهودي، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به فرض رأسه بين حجرين) رواه البخاري ومسلم.
4- التعدي على مسلمة بزنى أو إصابتها بنكاح: ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه رفع إليه رجل أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنى، فقال: "ما على هذا صالحناكم، فأمر به فصلب في بيت المقدس"حسنه الألباني.
5- قطع الطريق على المسلمين: وذلك لعدم وفائه بمقتضى الذمة من أمن جانبه، فينتقض عهده بذلك.
6- التجسس على المسلمين: وهذا من أشر ما يكون إذا تعدى على المسلمين بالتجسس فينتقض عهده بذلك.
7- ذكر الله -تعالى- أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو ذكر كتابه أو شريعته بسوء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : "وإذا أبى أهل الذمة بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكمنا ينقض عهده، ومن قطع الطريق على المسلمين أو تجسس عليهم أو أعان أهل الحرب على سبي المسلمين أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين فهذا يقتل ولو أسلم".

حقوق أهل الذمة فى التشريع الإسلامى
بعد عقد الذمة للكفار يلزم المسلمين الكف عنهم نفسا ومالا، فليس لهم أن يؤذوهم في شيء من ذلك وعلى المسلمين خلاص من أسر من أهل الذمة واسترجاع ما أخذ من أموالهم؛ لأن المسلمين منوط بهم حماية أهل الذمة والذب عنهم ودفع ما يحيق بهم من ضرر أو شر عدوان.
ويلزم المسلمين أن يضمنوا ما أتلفوه على أهل الذمة سواء كان المتلـَفُ نفسا أو مالا، أي: يضمنه المتلـِف من المسلمين مثلما يضمن مال المسلم نفسه و لا خلاف في ذلك
ويلزم المسلمين أن يدفعوا عنهم أهل الحرب وغيرهم إذا كانوا أهلالذمة في بلاد المسلمين؛ لأنه لابد من الذب عن الدار ومنع الكفار من طروقها، وكذلك لو انفرد ببلد مجاور لدار الإسلام فإنه يلزم الذب عنهم إن أمكن إلحاقا لهم بأهل الإسلام في العصمة والصيانة.
وقال عمر -رضي الله عنه- في وصيته للخليفة بعده: "وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم" رواه البخاري.
قال في منار السبيل "ويحرم قتال أهل الذمة وأخذ أموالهم ويجب على الإمام حفظهم ومنع من يؤذيهم" أهـ. 
فلهم الحقوق العامة وهي الحقوق اللازمة للإنسان، والتي لا يمكن الاستغناء عنها وهذه الحقوق مقررة لحماية الشخص في نفسه وحريته وماله كالحق في الاعتقاد وحرمة المسكن والتنقل وغيرها.
وقد وردت جملة من الأحاديث النبوية في حماية أهل الذمة ودفع الظلم عنهم وتوفير الحرية الشخصية لهم ومنها:
1- فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) رواه البخاري.
2- ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
3- عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها) رواه النسائي، وصححه الألباني.
4- عن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) رواه النسائي، وصححه الألباني.
5- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) رواه النسائي، وصححه الألباني.
6- وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل نفسا معاهَدَة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة ليوجد من مسيرة مائة عام) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
7- قال -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل معاهدا في غير كُنـْهِهِ حرم الله عليه الجنة) رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني.
قوله: (في غير كنهه) قال في عون المعبود: "قال في النهاية: كنه الأمر حقيقته، وقيل: وقته وقدره، وقيل: غايته، يعني من قتله في غير وقته أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله. انتهى، وقال العلقمي: "أي: في غير وقته أو غاية أمره الذي يجوز فيه مثله" أهـ.من عون المعبود 5/194.
قال العلامة السفاريني: "في غير كنهه: أي وقته الذي لا يجوز قتله في حين لا عهد له" أهـ.
ففي هذه الأحاديث وغيرها التصريح بعدم التعرض للذميين بشيء من أنواع الأذى في النفس والمال أو تكلفته ما لا يطيق، بل نجد في هذه الأحاديث من الوعيد مما قد لا تجده في غيره؛ وذلك لأن عقد الذمةألحق هؤلاء الكفار بالمسلمين في العصمة والصيانة، فإذا أخل أحد منأهل الإسلام ونالهم بشيء من الأذى في النفس أو المال وقع تحت طائلة هذا الوعيد الشديد في هذه النصوص النبوية الصحيحة. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق