السبت، 13 أبريل 2013

﴿ يا أيُّها الذِينَ ءامَنُوا ادْخُلوا فِى السِّلْم كافَّةً ولا تَّتبِعُوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إنَّه لَكُمْ عَدُوٌ مُبينٌ ﴾



قال الله تعالى :
﴿ يا أيُّها الذِينَ ءامَنُوا ادْخُلوا فِى السِّلْم كافَّةً ولا تَّتبِعُوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إنَّه لَكُمْ عَدُوٌ مُبينٌ   سورة البقرة : 208                                                                      
الدخول نقيض الخروج ويستعمل ذلك فى المكان والزمان ويقال : دخل  مكان كذا قال تعالـى ( ادخلوا هذه القرية – ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) (1)
السَّلَم بفتحتين السَّلَف والسَّلَم أيضا الإستسلام والسَّلَم أيضا شجر مِن العِضاة واحدها سَلَمَة والسِّلْم السَّلام والسَّلَم الصُّلْح بفتح السين وكسرها يُذَّكَر ويؤنَّث والسِّلْم المسالِم تقول أنا سِلْم لمن سالَمَنى والسَّلام الإستسلام . والسَّلام الإسم من التسليم ، والتسليم بذل الرضا بالحكم ، وأسلم أمره إلى الله أى سَلَّمَ ، وأَسْلَمَ دخل فى السَّلَم بفتحتين وهو الإستسلام وأسْلَمَ من الإسلام وأَسْلَمَهُ خَذَلَه واسْتَسْلَمَ أى انْقادَ (2)
( ادْخُلُوا فى السِّلْمِ ) قرأ المَدَنِيَّانِ(3) والمَكِّىّ(4) والكِسائى(5) بفتح السين والباقون بكسرها(6)
اخْتُلِفَ فى تحديد معنى السِّلْمِ فى الآية، والراجح أنها بمعنى الإسلام ويكون الخطاب مَعْنِيَّاً به بعض مَن ءامَنَ مِن أهل الكتاب وبقى مُتَمَسِّكاً ببعض شرائع التوراة كتحريم يوم السبت ، وتحريم شُرْب لَبَن الإبل، أُمِروا بالدخول فى الإسلام كافة أى بقبول شرائعه كلها وترك شرائع غيره وتكون بمعنى الصُّلْح وترك الحرب والتَّهارُج ويكون الخطاب للمسلمين عامة بترك التَّهارُج بينهم والتقاتل (7)
---------------------------------------------------------------------------------------
(1)المفردات للراغب الأصفهانى                         (2) مختار الصِّحاح ـ الرازى
(3) المدنيان : نافع وهو أبو رُوَيْم نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم الليثى المَدَنى ، أصله من أصفهان وتوفى بالمدينة سنة 169 هـ ، وأبو جعفر المدنى وهو يزيد بن القعقاع وتوفى بالمدينة سنة 128 هـ وهما من القُرَّاء العَشَرَة رحمهم الله تعالى .                                                    
(4) المَكِّى : وهو ( ابن كثير ) عبد الله بن كثير المكى وهو من التابعين وتوفى بمكة سنة 120 هـ
(5) الكِسائى الكُوفِى : هو على بن حمزة النحوى ويكنى أبا الحسن وقيل له الكِسائى لأنه أَحْرَمَ فى كِساء وتوفى سنة 189 هـ
(6) البدور الزاهِرة فى القراءات العشر المتواترة من طريق الشاطبية والدُّرَّة ـ عبد الفتاح القاضى
(7) أيسر التفاسير ـ الجزائرى ج 1

وقد وبخ اللهُ تعالى يهودَ المَدينَة وهم ثلاث طوائِف : بَنُو قَيْنُقاع وبَنُو النَّضِير وقُرَيْظَة، وندد بصنيعهم الذى أدَّى بهم إلى إهمال الواجب تبعاً لأهوائهم فكانوا كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وقد قال الله تعالى ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعضِ الكِتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك مِنكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يُرَدُّون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشترَوا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يُخَفَّف عنهم العذابُ ولا هم يُنْصَرُونَ )(1)
( كافَّة ) اسم يفيد الإحاطة بأجزاء ما وُصِف به ، فقوله تعالى ( ادخلوا فى السِّلْمِ كافَّة ) أى لا يَبقى مَشْروع به ولا يبقى فَرْدُ إلا ويدخله . 

معنى الآية الكريمة :
ينادِى الحَقُّ تَبارَكَ وتَعالَى عبادَه المؤمنين آمِراً إياهم  بالدخول فى الإسلام دخولا شموليا بحيث يتخيرون من شرائعه وأحكامه ما وافق مصالحهم وأهوائهم قَبِلُوه وعملوا به وما لم يوافق ردوه أو تركوه أو أهملوه وإنما عليهم أن يَقْبَلُوا شرائِع الإسلام وأحكامه كافة ونهاهم عن اتِّباع خُطوات الشيطان فى تحسين القبائح وتزيين المنكر إذ هو الذى زين لبعض مُؤمِنِى أهْلِ الكتاب تعظيم السبت وتحريم أكل الإبل بِحُجَّة أن هذا من الدِّين الذى كان عليه صُلَحاءُ بنى إسرائيل فنزلت فيهم تأمرهم وتأمر سائر المؤمنين بقبول شرائع الإسلام وأحكامه وتحذرهم من عاقبة اتباع الشيطان فإنها الهلاك التام وهو ما يريده الشيطان بحكم عداوته للإنسان (2)
قال الشيخ عبد الرحمن السعدى رحمه الله تعالى فى تفسير الآية :
هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا ( فى السِلْم كافَّة )أى فى جميع شرائع الدين ولا يتركوا منها شيئا وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعاً للدين وأن يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال الخير وما يعجز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته، ولما كان الدخول فى السلم كافة لا يمكن أن يتصور إلا بمخالفة الشيطان قال تعالى ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) أى فى العمل بمعاصى الله ( إنه لكم عدو مبين ) ظاهره العداوة، والعدو المبين لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء وما به الضرر عليكم، ولما كان العبد لا بد أن يقع منه خلل وزلل، قال تعالى ( فإن زللتم ) أى أخطأتم ووقعتم فى الذنوب ( من بعد ما جاءتكم البينات ) أى على عِلْمٍ ويقين ( فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) وفيه من الوعيد الشديد
-------------------------------------------------------------------------------------------
(1) البقرة 85 ، 86                   (2) أيسر التفاسير – الجزائرى ج1
والتخويف ما يوجب ترك الزَّلَل (1) فإن الله العزيز المقام الحكيم إذا عصاه العاصى قهره بقوته، وعذبه بمقتضى حكمته، فإن من حكمته تعذيب العُصاة والجُناة، وهذا فيه من الوعيد والتهديد ما تنخلع منه القلوب (2)
تعريف الإسلام :
الإسلام لغة الإنقياد والإذعان ، أما فى الشريعة فلإطلاقه حالتان :
الحالة الأولى : أن يطلق على انفراد غير مقترن بذكر الإيمان فهو حينئذ يراد به الدين كلَّه ، أصوله وفروعه، من إعتقاداته وأقواله وأفعاله، لقوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام )(3) وقوله ( ورَضِيتُ لكم الإسلام دِيناً ) (4) وقوله تعالى ( يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا فى السِّلْم كافَّة )(5) أى فى كافة شرائعه ، ويقول صلى الله عليه وسلم ( إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان أزلفها ومُحِيَت ْ عنه كل سيئة كان أزلفها )(6) ، فإن الإنقياد ظاهرا بدون إيمان لا يكون حسن إسلام بل هو من النفاق ، فكيف تكتب له حسنات أو تُمحَى عنه سيئات ؟؟؟
أما الحالة الثانية : أن يطلق مقترناً بالإعتقاد فهو حينئذ يراد به الأعمال والأقوال الظاهرة ، كقوله تعالى ( قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم )(7)
أركان الإسلام :
الركن لغة : الجانب الأقوى ، وهو بحسب ما يطلق عليه كركن البناء وركن القوم ونحو ذلك ، ومن الأركان مالا يتم البناء إلا به ومنها ما لا يقوم بالكلية إلا به  ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بُنِىَ الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان )(8)  فشبهه بالبنيان المركب على خمس دعائم .    
--------------------------------------------------------------------------------------------
(1) أصل الزلل : الزلق وهو اضطراب القدم وتحركها فى الموضع المراد إثباتها فيه والمراد هنا عدم الثبات على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بفعل الأمر وترك النهى بتزيين الشيطان ذلك للعبد حتى يقع فى الضرر ( أيسر التفاسير – ج1 ص 104 )
(2) تفسير السعدى ص 83                (3) آل عمران 19                    (4) المائدة 3
(5)البقرة 208    (6) رواه النسائى بإسناد حسن ورواه البخارى مختصرا ( انظر فتح البارى ج1 ص122 )
(7) الحجرات 14          (8) رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما

وأركان الإسلام على قسمين : قولية وعملية
فالقولية الشهادتان، والعملية باقى أركان الإسلام وهى على ثلاثة أقسام : بدنية وهى الصلاة والصوم، ومالية وهى الزكاة ، وبدنية ومالية وهى الحج، وقول القلب وعمله شرط فى ذلك  (1)
وقوله تعالى ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )
دليل على أن الشيطان عدو ظاهر العداوة لِبَنِى آدم وقال تعالى ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغَرور * إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )(2) والغَرور : هو الشيطان ، فبين الله تعالى وأكد عداوة الشيطان لبنى آدم وأمرنا بإتخاذه عدوا فقال ( فاتخذوه عدوا ) ثم بين السبب فى ذلك وهو دعوة الشيطان للناس إلى الشر والضلال والكفر حتى يكونوا من أهل النار كما كتب الله عليه ذلك كما بين الله أن الشيطان يأمر بكل معصية وذنب وفحشاء وفقر فقال تعالى ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم )(3)
وسوف يَتَبَرَّأ الشيطان يوم القيامة من أتباعِه عندما يجلس على عَرْشٍ من نار ويقول ( وما كان لِىَ عَلَيْكُم مِن سُلْطانٍ إلا أن دَعَوْتُكُم فاسْتَجَبْتم لِى فَلا تَلُومونِى وَلُومُوا أنفسَكم ما أَنا بِمُصْرِخِكُم وما أنتم بِمُصْرِخِىَّ ... )(4) 
------------------------------------------------------------------------------------------
(1) مختصر معارج القبول – هشام عقدة ص 169        (2) فاطر  5 ، 6       
(3) البقرة 168                                                 (4) إبراهيم 22

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق