الاثنين، 15 أبريل 2013

﴿ يا أيُّها الذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وذَرُوا ما بَقِىَ مِنَ الرِّبا إنْ كُنْتًم مُؤْمِنِينَ﴾



﴿ يا أيُّها الذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وذَرُوا ما بَقِىَ مِنَ الرِّبا إنْ كُنْتًم مُؤْمِنِينَ  سورة البقرة : 278

لَمَّا أمر الله تعالى المؤمنين بالإنفاق مِن طيبات ما كسبوا وحَضَ على الصدقة ورغَّبَ فى الإنفاق فى سبيل الله ، ذكر هنا ما يقابل ذلك وهو الربا الخبيث الذى هو شُحٌ وقذارة ودنس وأكل أموال الناس بالباطل بينما الصدقة عطاء وسماحة وطهارة ، وقد جاء عَرْضُه مباشرة بعد عرض ذلك الوجه الطيب من الإنفاق فى سبيل الله ليظهر الفارق بين الكسب الطيب والكسب الخبيث ، وكما قيل : وبضدها تتميز الأشياء . وبين هنا أن الربا غير البيع ، فإن البيع حلال والربا حرام ، وأن الذى يأكل الربا يتخبط فى عشوائه ويتخبطه الشيطان إذا مَسَهُ (1) ، ثم بَيَّن أنه سبحانه يمحق (2) الربا ولكنه يُرْبِى الصَّدَقات أى يزيد بها الأموال وينميها وأنه إذا تعامل بالربا وتاب فلا يأخذ إلا رأس المال دون زيادة ولو قليلة ، ونهى فى آية أخرى سبحانه قائلا ( يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة .... ) آل عمران : 130 وسيأتى شرحها بالتفصيل فى موضعها إن شاء الله تعالى عند تفسير النداء الخامس عشر  ، ففى آية البقرة  نادى الله عز وجل المؤمنين ونهاهم أن يتعاملوا بالربا لِمَا له من عاقبة وَخِيمة فى الدنيا والآخِرَة فقال (.. اتقوا الله وذَرُوا ما بقى من الربا )
سبب نزول الآية :
أنه كان لبنى عمرو مِن ثَقِيف ديون ربا على بَنِى المُغِيرَة ، فلما حَلًّ الأجَلُ أرادوا أن يتقاضوا الربا منهم ، فنزلت الآية ، فقالت ثَقِيف : لا يَدَّ لَنَا أى لا طاقَةَ لنا بحرب الله ورسوله وتابوا وأَخَذُوا رُءوس أموالهم فقط (3)
الرِّبا لُغَةً : الزِّيَادَة ، قال تعالى ( فإذا أَنْزَلْنَا عَلَيْها المَاءَ اهْتَزَّتْوَرَبَتْ ) أى زادت ، والربا : الزيادة على رأس المال ، لكن خُصَّ فى الشرع على وجه دون وجه ، وبإعتبار الزيادة ، قال تعالى ( وما آتَيْتُم مِن رِبا لِيَرْبوَ فى أموال الناس فلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ... ) ونَبَّه بقوله ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِى الصَّدَقات ) أن الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبَرَكَة مرتفعة عن الربا، ولذلك قال فى مقابلته ( وما آتيتم من زكاة تريدون وَجْهَ اللهِ فأولئك هُمُ المُضْعِفونَ )(4)

---------------------------------------------------------------------------------------------
(1) المَسّ : الجنون وأصله من المس باليد كأن الشيطان يَمَسّ الإنسان فيحصل له الجنون
(2) المَحْق : نُقْصَان الشئ حالاً بَعْدَ حالٍ    (3) صفوة التفاسير      (4) المفردات للراغب

ويجدر أن نبدأ فى معنى الآية بدءاً من قوله تعالى ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يَقُومُ الذى يَتَخَبَطُه الشَّيْطان مِنَ الْمَسِ .. ) الآية 275 من سورة البقرة لأنها وما تلاها من الآيات ترتبط ارتباطا وثيقا بمعنى قوله تعالى ( .. اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ..)
فقوله تعالى ( يأكلون الربا ) يأخذونه ويتصرفون فيه بالأكل فى بطونهم وبغير الأكل ، والربا هنا ربا النَّسِيئَة ، وحقيقته أن يكون لك على المَرء دَيْن ، فإذا حَلَّ أجَلُه ولم يقدِر على تسديده تقول له : أَخّرِ وَزِدْ فتؤخره أجلا وتزيد فى رأس المال قدرا مُعَيَّناً ، هذا هو ربا الجاهلية ، والعمل به اليوم فى البنوك الرِّبَوِيَّة ، فيسلفون المرء مَبْلغاً إلى أَجَلٍ ويزيدون قَدْرَاً آخَرَ نحو العُشْرأو أكثر أو أقل ، والرباحرام بالكتاب والسنة والإجماع ، وسواء كان ربا فَضْلٍ (1) أو رِبا نسيئة ، ( لا يقومون ) أى مِن قبورهم يوم القيامة ( يتخبطه الشيطان ) يضربه الشيطان ضربا غير منتظم ( من المس ) الجنون ( موعظة ) أمر ونهى بترك الربا ( فَلَهُ ما سَلَفَ ) ليس عليه أن يَرُدَّ الأموالَ التى سبقتْ توبته ( يمحق الله الربا ) أى يذهب شيئا فشيئا ، حتى لا يبقى منه شئ ( ويُرْبِى الصدقاتِ ) يبارك فى المال الذى أُخْرِجَت منه ويزيد فيه ويضاعف أجرها أضعافا كثيرة ، ( كَفَّار أثيم )الكَفَّار شديد الكُفْر يكفر بكل حق وعدل وخير ، ( أثيم ) مُنْغًمِسُ فى الذنوب لا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ارتكبها ، فلما حث الله على الصدقات وواعد عليها بِعِظَمِ الأجْر ومُضَاعَفَة الثواب ، ذَكَرَ المُرَابِينَ الذين يضاعِفون مكاسبهم المالية بالربا وهم بذلك يَسُدُّون طرق البر ويصدون عن سبيل المعروف فبدل أن ينموا أموالهم بالصدقات نَمَّوْها بالربويات ، فذكر تعالى حالهم عند القيام من قبورهم وهم يقومون ويصرعون حالهم حال من يُصْرَع فى الدنيا بمس الجنون علامة يُعرَفون بها يوم القيامة كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنهم خَيْمَة مضروبة بين أيديهم ، وهذا الذى أصابهم من الخزى والعذاب بسبب ردهم حكم الله بتحريم الربا ، وقالوا ( إنما البيع مثل الربا ) إذ الربا الزيادة فى نهاية الأجل والبيع فى أوله ، فقال ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) فما دام قد حرم الربا فلا معنى للإعتراض ، ونسَوْا أن الزيادة فى البيع هى فى قيمة سلعة تَغْلو وترخص وهى جارية على قانون الإذن فى التجارة ، وأما الزيادة فى آخر البيع فهى زيادة فى الوقت فقط .   
ثم قال تعالى مُبَيِّناً لعباده سبيل النجاة مُحَذِّراً مِن طريق الهلاك ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) وهى تحريمه تعالى للربا ونهيه عنه فانتهى فله ما سلف قبل معرفته للتحريم أو قبل توبته وأمره بعد ذلك إلى الله إن شاء ثَبَّتَهُ على التوبة ونَجًّاه ، وإن شاءَ خَذَلَه لِسُوءِ عَمَلِه ، وفَساد نِيَّتِه فأهْلَكَه وأَرْدَاه ، وهذا معنى قوله تعالى ( وَمَنْ عادَ فأولئكَ أصْحابَ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ )
------------------------------------------------------------------------------------------
(1) ربا الفضل بيانه فى صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم ( الذَّهَب بالذهب والفِضَّة بالفضة والبُرُّ بالبر والشَّعِير بالشعير والتَّمْر بالتمر والمِلْح بالملح مِثْلا بِمِثْل يَدَاً بِيَد فمنِ اسْتَزَاد فَقَدْ أَرْبَى الآخِذ والمُعْطِى سَوَاء ) وقال ( فإذا اختلَفَتِ الأَجْناسُ فَبِيعُوا كَيَفَ شِئْتُم إذا كان يَدَاً بِيَدٍ )

وبمناسبة ذِكر عقوبة آكلى الربا، نادى الله تعالى عباده المؤمنين آمِراً إياهم بتقواه تعالى وذلك بطاعته وترك معصيته وبالتَّخَلِّى عَمَّا بَقِى عند بعضهم من المعاملات الربوية مُذَكِّراً إياهم بإيمانهم إذ مِن شأن المؤمن الإستجابة لنداء ربه وفعل ما يأمره وترك ما ينهاه عنه ثم هدد المُتَبَاطِئِينَ بقوله ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ... ) فاعْلَمُوا بِحَرْبٍ قاسِيَة ضَروس مِنَ الله ورسوله، فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لّعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا ومُوكِلَه وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَه هُم فِيِه سَوَاء ) (1)
واللَّعْن هو الطَّرْد من رحمة الله تعالى، ثم بَيَّنَ لهم طريق التوبة وسبيل الخلاص مِن مِحْنَةِ الربا وَفِتْنَتِهِ بقوله تعالى ( وإنْ تُبْتُم ) بترك الربا ( فَلَكُم رُءوسُ أَمْوَالِكُم ) لا غير دون زيادة ولا نقصان . وإن وُجِدَ مَدِين لكم فى حالة إعْسار فالواجب انتظاره إلى مَيْسَرَة (2) وشئ آخَر وهو خير لكم أن تتصدقوا بالتنازل عن ديونكم كلها تطهيرا لأموالكم التى لامَسَها الربا وتزكية لأنفسكم مِن آثاره السيئة .                                                                                                     
ثم ذَكَّرَ اللهُ تعالى سائر عباده بيوم القيامة وما فيه من أهوال ومواقف صعبة، حيث يتم الحساب الدقيق وتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ مؤمِنة أو كافرة بارَّة أو فاجِرة ما كَسَبَتْهُ مِن خَيْرٍ وَشَرٍّوهم لا يُظْلَمونَ بنقص حسناتهم أو زيادة سيئاتهم، فقال تعالى ( واتَّقُوا يَوْمَاً تُرْجَعونَ فيه إلى اللهِ ثَمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) البقرة 281 وهذا التوجيه الذى حملته الآية ، آخِر تَوْجِيهٍ تَلَقَّتْه البَشَرِيَّةُ مِنْ رَبِّها تعالى ، إذ هى آخِر ما نَزَلَ مِن السَّماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)

هداية الآيات :
1 - وجوب التوبة من الربا ومِن كل المعاصى .
2 - المُصِرُّ على المعاملات الربوية يجب على الحاكم أن يحاربه بالضرب على يده حتى يترك الربا .                                                                                                       
3 - مَن تاب مِنَ الربا لا يُظْلَمُ بالأخذ مِن رأس ماله بل يُعْطاه وافياً كاملاً إلا أن يتصدق بالتنازل عن ديونه الربوية فذلك خير له حالاً ومَآلاً .                                                             
4 - وجوب ذِكْر الآخِرة والاستعداد لها بالإيمان والعمل الصالح وترك الربا والمعاصى (4)
-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) أيسر التفاسير – الجزائرى     (2) قال صلى الله عليه وسلم ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرا أو وَضَعَ عنه أظَلَّه الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه ) رواه أحمد والترمذى عن أبى هريرة ، وقال ( مِنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فله بكل يوم مِثلِه صدقة قبل أن يَحِلَّ الدَّيْن ، فإذا حَلَّ الدين فَأَنْظَرَه فله بكل يوم مِثْلاه صدقة ) رواه أحمد وابن ماجه والحاكم عن بُرَيدة(3)(4) أيسر التفاسير – الجزائرى

فوائد فقهية من كتاب تيسير العلام شرح عمدة الأحكام :
1 - يَحْرُم بَيْع الذهب بالفِضَّة والعكس ، وفساده إذا لم يتقابض المُتَبايعان قبل التَّفَرُّقِ مِن مَجْلِس العَقْد وهذه هى المُصارَفة ، ويُراد بمجلِس العقد مكان التبايع سواء كانا جالِسَيْن أو ماشِيَيْن أو راكِبَيْن ، ويُراد بالتَّفَرُّق تَفَرُّقاً عُرْفِيَّاً بين الناس .                                                                   
2 - يَحْرُم بَيْع البُر بالبُر أو الشَّعير بالشَّعير، وفساده إذا لم يتقابض المُتَبايِعَان قبل التفرق من مجلس العقد .                                                                                                      
3 - قال فى المُغْنِى : فالحاصِل أن ما اجتمع فيه الكَيْل والوَزْن والطَّعْم مِن جِنْسٍ واحد ففيه رِبا كالأُرْز ، وما يُعْدَم فيه الكيل والوزن والطعم واختَلَفَ جِنْسُه فلا ربا ، وهو قَوْل أكثر العلماء، وذلك كالتِّين والنَّوَى ، وما وُجِدَ فيه الطعم وَحْدَه أو الكيل والوزن مِن جِنْس واحد ففيه روايتان ، واختلف أهل العلم ، والأَوْلَى إن شاء الله حِلُّه ، إذ ليس فى تحريمه دليل مَوْثوق به ، ولا معنى يقوى التَّمَسُّك
4 - يَحْرُم ربا الفضل بالتمر، بأن يُباع بعضه ببعض وأحدهما أكثر مِن الآخَر كَتَمْر رَدِئ بِآخَرَ جَيِّد ، ولكن يبيع التمر الردئ ثم يقبض ثَمَنَه ثُمَّ يشترى آخَر (1)
الترهيب مِن أَكْلِ الربا :                                                                                   
قال صلى الله عليه وسلم ( دِرْهَم رِبا يَأْكُلُه الرَّجُلُ وهو يَعْلَم أَشَدُّ عِند اللهِ مِن سِتَّةٍ وثلاثينَ زَنْيَة ) (2)
وقال ( اجتنبوا السَّبْعَ المُوبِقات (3) ، قالوا : يارسول الله وما هن ؟ قال : الشِّرْك بالله والسِّحْر وقَتْل النَّفْس التى حَرَّمَ اللهُ إلا بالحق وأَكْل الرِبا وأَكْل مال اليَتِيم والتَّوَلِّى يوم الزَّحْف (4) وَقَذْف المُحْصناتِ المُؤمِنات الغافِلات ) (5)

------------------------------------------------------------------------------------------
(1) تيسير العلام شرح عمدة الأحكام – البسام
(2) رواه أحمد والطَّبَرانى عن عبد الله بن حنظلة . ص.ج رقم 3375
(3) الموبِقات : أى  المُهْلِكات التى تُوبِق صاحبها فى النار أى تُوقِعُه و تُهْلِكُه
(4) التَّوَلِّى يوم الزَّحْف : أى التولى وقت لقاء الجَيْش للكفار فِراراً
(5) رواه البخارى ومسلم رحمهما الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق