الخميس، 18 يوليو 2013

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ




النداء السابع والأربعون – قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
                                                                                سورة الأنفال : 27 ، 28

الخِيانَة والِّنفاق واحد، إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعَهْد والأمانَة، والنفاق يقال اعتبارا بالدِّين ثم يتداخلان، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد فى السر. ونقيض الخيانة الأمانة. يقال : خُنْتُ فلانا وخنت أمانة فلان، وعلى ذلك قوله تعالى ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) وقوله تعالى ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نُوح وامرأت لُوط كانتا تحت عَبْدَيْنِ من عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما ) وقوله تعالى ( ولا تزال تَطَّلِعُ على خائِنَة منهم ) أى جماعة خائِنَة منهم، وقيل رَجُلٌ خائن، يقال رجل خائن وخائنة، نحو رَاِويَة وداهِيَة موضوعة موضع المصدر نحو قُم قائِماً (1)
سبب نزول الآية الكريمة :
قال عبد الله بن أبى قتادة : نزلت فى أبى لُبابَة بن عبد المُنْذِر الأنصارى، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاصَرَ يَهُودَ قُرَيْظَة إحدى وعشرين ليلة، فسألوا رسول الله الصُّلْحَ على ما صالَحَ عليه إخوانهم مِن بَنِى النَّضِير، على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذْرِعات وأرِيحا مِن أرض الشام، فأبَى أن يعطيهم ذلك إلى أن نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْد بن مُعاذ، فأبوا وقالوا : أرْسِلْ إلينا أبا لبابة – وكان مناصِحا لهم – لأن عياله وماله وولده كانت عندهم، فبعثه رسول الله فأتاهم فقالوا : يا أبا لبابة ما تَرَى، أتَنزِل على حكم سعد بن معاذ ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حَلْقِه : إنه الذَّبح فلا تفعلوا، قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماى حتى علمت أنى خُنتُ اللهَ ورسولَه، فنزلت الآية. فلما نزلت شَدَّ نفسه على سارية مِن سوارِى المسجد وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علىَّ، فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما حتى خَرَّ مَغْشِيَّا عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل يا أبا لبابة قد تِيبَ عليك، فقال : لا والله لا أَحِلّ نفسى حتى يكون رسول الله هو الذى يَحُلُّنى، فجاءه فَحَلَّه بيده، ثم قال أبو لبابة : إن من تمام توبتى أن أهجر دار قومى التى أصبت فيها الذنب، وأنخلع مِن مالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يَجْزِيكَ الثُّلُث أن تتصدق به )(2)
-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) المفردات فى غريب القرآن – الراغب الأصفهانى ص167
(2) أسباب النزول – الواحدى ص193

قال الشيخ أبو بكر الجزائرى :
هذا نداء ربانى آخَر يُوَجَّه إلى المؤمنين ( يا أيها الذين آمنوا ) يا مَن آمنتم بالله رَبَّاً وبمحمد رسولا وبالإسلام دِينا ( لا تخونوا اللهَ والرسولَ )(1) بأن يظهر أحدكم الطاعة لله ورسوله ويَسْتَسِرُّ المعصية، ولا تخونوا أماناتكم التى يأتمن بعضكم بعضا عليها ( وأنتم تعلمون ) عظيم جريمة الخيانة وآثارها السيئة على النفس والمجتمع. وقوله ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم )(2). فيه إشارة إلى السبب الحامل على الخيانة غالباً؛ هو المال والأولاد، فأخبرهم أن أموالهم وأولادهم فتنة تصرفهم عن الأمانة والطاعة وأن ما يرجوه من مال أو ولد ليس بشئ بالنسبة إلى ما عند الله تعالى، إن الله تعالى عنده أجر عظيم لمن أطاعه واتقاه وحافظ على أمانته مع الله ورسوله ومع العباد.(3)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت فى سبب خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، عند الجماهير من العلماء، والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية. وقال على بن أبى طلحة عن ابن عباس ( وتخونوا أماناتكم ) الأمانة : الأعمال التى ائتمن اللهُ عليها العباد – يعنى الفريضة – يقول ( لا تخونوا ) أى : لا تنقضوها. وقال فى رواية ( ولا تخونوا الله والرسول ) يقول سنته وارتكاب معصيته (4)
هداية الآيتين الكريمتين :
1- تحريم الخيانة مطلقا وأسوأها ما كان خيانة لله والرسول.
2- فى المال والأولاد فتنة قد تَحْمِل على خيانة الله ورسوله، فليحذرها المؤمن.

------------------------------------------------------------------------------------------
(1) لفظ الآية عام فى كل ذنب صغير أو كبير وما رُوِى أنها نزلت فى أبى لبابة حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروه فى ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه أى : إنه الذبح، لا ينافيه.
(2) وهذه الآية أيضا عامًّة وإن قيل : إنها نزلت فى أبى لُبابَة، إذ كان له مال وولد فى بنى قريظة، فلا يُتَّهَم لأجل ذلك.
(3) أيسر التفاسير – الجزائرى ج1ص515
(4) تفسير ابن كثير ج2 ص1001

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق