الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ




النِّدَاء السابِع والعشرون – قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)   

                                                                          سورة النساء : 144 ، 145

الوَلاء والتَّوَالِى : أن يحصل شيئان فصاعِدا حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويُسْتَعار ذلك للقرب مِن حيث المكانن ومِن حيث النسبة ومن حيث الدِّين، ومن حيث الصَّدَاقة والنُّصْرَة والاعتقاد ( والوِلايَة ) النُّصْرَة و ( الوَلايَة ) تَوَلِّى الأمْر .                                                            
( و الوَلِى والمَوْلَى ) يستعملان فى ذلك كل واحد منهما ، يقال فى معنى الفاعل أى المُوَالِى ، وفى معنى المفعول أى المُوَالَى، يقال للمؤمِن هو وَلِىُّ اللهِ عز وجل ولم يُرَد مَوْلاه، وقد يقال ( الله تعالى وَلِىُّ المؤمنين وَمَوْلاهم ) و ( الوَالِى ) بمعنى الوَلِىّ، ونَفَى اللهُ الوِلايَة بين المؤمنين والكافرين فى غير آية ( يا أيها الذين ءامَنُوا لا تتخذوا اليهود ) إلى قوله ( وَمَن يَتَوَلَّهُم منكم فإنه منهم ) وجعل بين الكافرين والشَّياطين مُوالاة فى الدُّنْيا ونفى بينهم الموالاة فى الآخِرَة، قال تعالى فى الموالاة بينهم فى الدنيا ( والمنافقون والمنافقات بعضهم مِن بعض ) وقال ( إنا جَعَلْنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) فكما جعل بينهم وبين الشيطان موالاة جعل للشيطان فى الدنيا عليهم سُلْطَانا فقال ( إنما سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَه ) ونفى الموالاة بينهم فى الآخِرَة فقال فى موالاة الكفار بعضهم بعضا ( يوم لا يُغْنِى مَوْلَىً عن مَوْلَىً شيئاً ) وقوله ( ثُمَّ يوم القيامة يَكْفُر بَعْضُكُم بِبَعْض ) و ( والمُوالاة ) بين الشَّيْئَيْن المُتَابَعَة (1)
و ( الوَلِىُّ ) ضد العَدُو ويقال منه ( تَوَلَّاه ) وكل مَن وَلِىَ أمرَ وَاحِدٍ فهو ( وَلِيُّه ) و (المَوْلَى ) المُعْتِق والمُعْتق وابن العمّ والنَّاصِر والجار والحَلِيف و ( الموالاة ) ضِدّ المُعَاداة ( والوِلاية ) بِالكَسْر السُّلْطان وقال سِيبَوَيْه : الولاية بالفَتْح المَصْدَر وبالكسر الاسم(2) والسُّلْطان الحُجَّة الواضِحَة

----------------------------------------------------------------------------------------
(1) المفردات فى غريب القرآن – الراغب الأصفهانى                          (2) مُخْتار الصِّحَاح – الرازى

قال الشيخ أبو بكر الجزائرى :

ومعنى اتخاذهم أولياء موادتهم ومناصرتهم والثقة فيهم والركون إليهم والتعاون معهم ، ولَمَّا كان الأمر ذا خُطُورَة كامِلَة عليهم هَدَّدَهم بقوله ( أتُرِيدون أن تَجْعَلوا لله عليكم سلطانا مُبينا ) فيتخلى عنكم ويسلط عليكم أعداءه الكافرين فيستأصلوكم أو يقهروكم ويَسْتَذِلُّوكم ويتحكموا فيكم، ثم حذَّرَهم مِن النفاق أن يتسرب إلى قلوبكم فأسمعهم حُكْمَه العادل فى المنافقين الذين هم رءوس الفتنة بينهم فقال ( إن المنافقين فى الدَّرْكِ (1) الأسفل من النار ) إلا الذين تابوا إلى ربهم فآمَنُوا به وَبِرَسوله صلى الله عليه وسلم حق الإيمان وأصلحوا أعمالهم ونَفضُوا أيديهم مِن أيدى الكافرين وأخْلَصوا دِينَهم لله فَلَم يَبْقوا يُراءون أَحَداً بأعمالهم فأولئك هم الذين ارتَفَعوا إلى هذا المُسْتَوَى مِن الكمال هم مع المؤمنين جزاؤهم واحد، وسوف يُؤتِى اللهُ المؤمنين أَجْراً عظيماً؛ وهو كرامة الدنيا وسعادة الآخِرَة (2)

قال ابن كثير – رحمه الله تعالى  - فى تفسير هذه الآية :
يَنْهَى اللهُ تعالى عِبادَه المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء مِن دون المؤمنين ، يعنى مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المَوَدَّة إليهم ، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى ( لا يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أولياءَ مِن دون المؤمنين ) ولهذا قال ها هنا ( أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ) ؟ أى حُجَّة عليكم فى عقوبته إياكم، قال ابن أَبِى حاتم عن ابن عباس فى قوله ( سلطانا مبينا ) : كل سلطان فى القرآن حُجَّة ، وهذا إسناد صحيح ، ثم أخبر تعالى ( إن المنافقين فى الدرك الأسفل مِن النار ) أى يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ ، قال ابن عباس رضى الله عنهما : أى فى أسفل النار، وقال غيره ( دَرَكات ) كما أن الجنة ( دَرَجات )، وقال سفيان الثَّوْرِى ( إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ) قال فى توابيت تُرْتَج عليهم، وعن أبى هريرة قال ( الدرك الأسفل ) بيوت لها أبواب تُطْبَق عليهم فتوقد مِن تَحْتِهم وَمِن فَوْقِهِم ، وفى قوله ( إلا الذين تابوا ... ) أى بَدَّلُوا الرياء بالإخلاص فينفعهم العمل الصالح وإنْ قَلَّ ( فأولئك مع المؤمنين ) أى فى زُمْرَتِهم يوم القيامة ( وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عَظيما ) ثم قال تعالى مُخْبِراً عن غِناه عَمَّا سِواهُ وأنه يُعَذِّب العِبادَ بذنوبهم ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمَنْتُم ) أى أصلحتم العمل وآمَنتم بالله ورسوله ( وكان الله شاكِراً عليما ) أى مَن شَكَر شكر له، وَمَن آمَنَ قَلْبُه به عَلَّمَه وجازاه على ذلك أَوْفَى الجزاء (3) 
----------------------------------------------------------------------------------------
(1) الدَّرك بإسكان الراء وفَتحها . والنار سَبْع دَرَكات . يقال فيما تَعَالَى وارتفع دَرَجَة ، وفيما سَفُل ونَزَل دَرَكَة، والدَّرَكات هى كالتالى : جَهَنَّم، ثم لَظَى، ثم الحُطَمَة، ثم السَّعير، ثم سَقَر، ثم الجَحِيم، ثم الهَاوِيَة، وقد تُسَمَّى جميعاً باسم الطبقة الأُوُلَى ( أيسر التفاسير – الجزائرى )

(2) أيسر التفاسير – الجزائرى ج1ص307                         (3) تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق