الخميس، 1 أغسطس 2013

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ



النداء السابع والثمانون – قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
                                                                           سورة التَّغابُن : 14 – 18
سورة التغابن مدنية وآياتها ثمانى عشرة.
هذه الآيات الكريمات نزلت (1) فى أُناسٍ كان لهم أزواج وأولاد عاقُوهُم عن الهِجْرَة والجهاد فترة من الوقت، فلما تغلبوا عليهم وهاجَرُوا ووجدوا الذين سبقوهم إلى الهجرة قد تَعَلَّمُوا وتَفَقَّهُوا فى الدِّين فتأسَّفُوا عن تخلفهم فَهَمُّوا بأزواجهم وأولادهم الذين عاقوهم عن الهجرة فترة طويلة أن تعاقبوهم بنوع مِن العِقاب مِن تجويع أو ضرب وتثريب وعتاب، فأنزل اللهُ هذه الآيات ( يا أيها الذين ءَامَنُوا إن من أزواجكم ... ) أى يا أيها المؤمنون إنَّ مِن (2) أزواجكم (3) وأولادكم أى : مِن بعضهم لا كُلَّهم إذ منهم مَن يساعد على طاعة الله ويكون عَوْناً عليها، عدوا لكم صرفكم عن طاعة الله والتزود للدار الآخرة، وقد ينازعونكم فى دينكم ودنياكم إذاً فاحذروهم أى كونوا على حَذر أن تطيعوهم فى التخلف عن فعل الخير مِن هجرة وجهاد وغيرهما وإن تعفوا وتغفروا أى عَمَّن شَغَلوكم عن طاعة الله فعاقوكم عن الهجرة والجهاد فلم تضربوهم ولم تجوعوهم ولم تُثَرِّبُوا عليهم ولم تُعاتِبُوهُم بل تطلبون العُذْرَ لمن قاموا به نَحْوَكُم يكافِئْكُم الله تعالى بِمِثْلِه فيعفو عنكم ويصفح ويغفر لكم كما عفوتم وصفحتم وغفرتم لأزواجكم وأولادكم الذين أَخَّرُوا هجرتكم وعطلوكم عن الجهاد فى سبيل الله.
-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) قال القرطبى رحمه الله تعالى : قال ابن عباس رضى الله عنهما : نزلت فى عوف بن مالك الأشجعى بالمدينة النبوية، شكا إلى النبىَ جفاء أهله وولده. وعن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة التغابن كلها جملة واحدة إلا هؤلاء الآيات ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ....)
(2) مِن : للتبعيض إذ ما كُلُّ مَن له زوجة وولد كانوا له عدواً.
(3) الآية عامَّة فى الرِّجال والنِّساء، فكما يكون للرجل مِن امرأته وولده عدو يكون للمرأة مِن زوجها وولدها عدو، ووجب الحذر على المؤمنين، ويكون الحذر على وجهين إما لضرر فى البدن، وإما لضرر فى الدِّين.

وقوله تعالى ( إنما أموالكم وأولادكم فِتْنَة (1) والله عنده أجر عظيم ) أى : كل أموالكم وأولادكم فتنة واختبار من الله لكم هل تُحْسِنون التصرف فيهم فلا تَعْصُوا اللهَ لأجلهم، لا بترك واجب ولا بفعلِ ممنوع أو تُسِيئون التصرف فيحملكم حبهم على التفريط فى طاعة الله أو التقصير فى بعضها بترك واجب أو فعل حرام، والله عنده أجر عظيم فآثِرُوا ما عند الله على ما عندكم مِن مال وولد، إن ما عند الله باقٍ وماعندكم فانٍ فآثِرُوا الباقى على الفانى.
وقوله ( فاتقوا الله ما استطعتم )(2) هذا إحسان الله تعالى إلى عباده المؤمنين أنه لمَّا أعلَّمَهُم أن أموالهم وأولادهم فِتْنَة حَذَّرَهم أن يٌؤثِروهم على طاعة الله ورسوله عَلِمَ أن بعضَ المؤمنين سوف يزهدون فى المال والولد وأن بعضاً سوف يعانون أتعابا ومشقة شديدة فى التوفيق بين المصلحتين فأمرهم أن يتقوه فى حدود ما يُطِيقون فقط، وخير الأمور الوسط فلا يُفْرِط فى ولده وماله ولا يُفَرِّط فى عِلَّة وُجُودِه وسبب نجاته وسعادته وهى عبادة الله التى خُلِقَ لأجْلِها وعلبها مَدار نجاته من النار ودخوله الجنة.
وقوله ( واسْمَعُوا )(3) ما يدعوكم الله ورسوله إليه ( وأطيعوا وأنفقوا ) فى طاعة الله مِن أموالكم خيراً لأنفسكم مِن عدم الإنفاق فإنه شر لكم وليس خير لكم.
وقوله ( ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِه فأولئك هم المُفْلِحُونَ ) أعلمهم أن عدم الإنفاق ناتج عن شُحِّ النَّفْس، وشح النفس لا يَقِى منه إلا اللهُ فَعَلَيْكُم باللجوء إلى الله تعالى لِيَحْفَظَكُم مِن شُح نفوسكم فادعوه وتوسلوا إليه بالإنفاق قليلا قليلا حتى يحصل الشِّفاء مِن مرض الشُّح الذى هو البُخْل مع الحِرْص الشديد على جمع المال والحفاظ عليه ومَن شُفِى مِن مَرَض الشح أفْلَحَ وأصبح فى عِداد المفلحين الفائزين بالجنة بعد النجاة مِن النار.
وقوله ( إن تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاًَ حَسَناً يُضاعِفه لكم ويغفر لكم ) هذا الترغيب عظيم مِن الله تعالى للمؤمنين فى النفقة فى سبيله إذ سَمَّاها قَرْضاً والقَرْض مَرْدُود وَوَعَدَ بمضاعفتها وزيادة أخرى أن يغفر لهم بذلك ذنوبهم، واشتراط الحُسْن للقرض اشتراط معقول وهو أن يكون المال الذى اقرض الله حلالاً لا حَراماً، وأن تكون النفس طيبة به لا كارهة له، وهذا مِن باب النصح للمؤمنين ليحصلوا
-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) فِتْنَة : أى بلاء واختبار يحملكم على كسب المُحَرَّم ومنه حق الله تعالى فلا تطيعوهم فى معصية الله تعالى، رُوِىَ عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه كان يقول : لا تقولوا اللهم اعصمنى من الفتن فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل : اللهم إنى أعوذ بك مِن مُضِلات الفِتَن.
(2) هل هذه الآية مُخَصِّصَة لآية آل عمران ( اتقوا الله حق تقاته ) ؟ هذا هوالظاهر، إذ مِن غير المُمْكِن أن يُتَّقَى اللهَ حق تقاته. أى : تقواه الحَقَّة. فلو أن العبد ذاب ذَوَباناُ مِن خشية الله ما اتقى اللهَ حق تقاته.
(3) قال القرطبى رحمه الله تعالى : اسمعوا ما توعَظُون به وأطيعوا فيما نُؤْمَرُون به وتُنْهَوْنَ عنه، والآية أصل فى السمع والطاعة فى بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم والطاعة لأولى الأمر.

على الأجر مضاعَفا. وقوله تعالى ( والله شكور حليم ) ترغيب أيضا لهم فى الإنفاق لأن الشكور معناه يُعْطَى القليل فَيُكافِئ، والحَلِيم الذى لا يُعاجِل بالعقوبة. ومثله يقرض القرض الحَسَن. وقوله ( عالِم الغيب والشهادة ) ترغيب أيضا فى الإنفاق إذ أعلَمَهم أنه لا يَغِيب عنه مِن أمورهم شئ، يعلم الخَفِىّ منها والعَلَنِىّ، وما غاب عنهم فلم يَرَوْه وما ظهر لهم فشهدوه فّذُو العِلم بهذه المَثابَة معاملته مضمونة لا يخاف ضياعها ولا نِسْيانها ( العزيز الحكيم )  أى : العزيز الانتقام مِن أعدائه، الحكيم فى إجراء أحكامه وتدبير شؤون عباده.
هداية الآيات الكريمات :
1- بيان أن مِن بعض الزوجات والأولاد عَدُوَّاً فَعَلَى المؤمن أن يحذر ذلك ليسلم من شرهم.
2- الترغيب فى العفو والصفح والمغفرة على من أساء أو ظلم.
3- التحذير من فتنة المال والولد ووجوب التيقظ حتى لا يهلك المرء بولده وماله.
4- وجوب تقوى الله بفعل الواجبات وترك المَنْهِيَّات فى حدود الطاقة البشرية.
5- الترغيب فى الإنفاق فى سبيل الله والتحذير مِن الشُّح فإنه داء خَطير (1)


-----------------------------------------------------------------------------------------

(1) أيسر التفاسير – الجزائرى ج2ص1641

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق