الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ




النداء السادس والأربعون – قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)

                                                                              سورة الأنفال : 24 ، 25

أصل الفَتْن : إدخالُ الذَّهَبِ النارَ لتظهر جودته من رداءته واسْتُعْمِلَ فى إدخال الإنسان النارَ قال ( يوم هم على النار يفتنون – ذوقوا فتنتكم ) أى عذابكم وتارة يُسَمُّونَ ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فبه نحو قوله تعالى ( ألا فى الفتنة سَقَطُوا ) وتارة فى الاختبار نحو قوله تعالى ( وفتناك فُتُوناً ) وجُعِلَتْ الفتنة كالبلاء فى أنهما يستعملان فيما يُدْفَع  إليه الإنسان مِن شِدَّةٍ ورَخاء وَهُما فى الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد قال فيهما ( ونَبْلُوكُم بالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَة ) وقال فى الشدة ( إنما نحن فتنة – والفتنة أشد من القتل – وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) وقال : ( ومنهم مَن يقول ائْذَن لى ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا ) أى يقول لا تَبْلُنِى ولا تعذبنى، وهم بقولهم ذلك وقعوا فى البَلِيَّة والعذاب. وقال ( فما آمَنَ لِمُوسَى إلا ذُرِّيَّةٌ مِن قَوْمِه على خَوْفٍ مِن فِرْعَوْنَ وملائِهِم أن يَفْتِنَهُم ) أى يبتليهم ويعذبهمن وقال ( واحْذَرْهُم أن يفتنوك – وإن كادوا لَيَفْتِنُونَكَ ) أى : يوقعونك فى بَلِيَّة وشِدَّة فى صرفهم إياك عمَّا أُوحِىَ إليكن وقوله ( فَتَنْتُم أنفسَكم ) أى أوقعتموها فى بلية وعذاب. وعلى هذا قوله ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )
والفتنة من الأفعال التى تكون من الله تعالى ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة، ومتى كان من الله يكون على وجه الحِكْمَة ومتى كان من الإنسان بغير أمر من الله يكون بضد ذلك ولهذا يذم اللهُ الإنسانَ بأنواع من الفتنة فى كل مكان نحو ( والقتنة أشد من القتل – إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات )(1)
قال الشيخ أبو بكر الجزائرى :

هذا النداء الثالث ( أى فى سورة الأنفال ) بالكرامة للمؤمنين يشرفهم الرب بندائه ليكرمهم بما أمرهم به أو ينهاهم عنه تربيةً لهم وإعداداً لهم لسعادة الدارين وكرامتهما فيقول ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لِما يُحْييكم ) وهو بمعنى النداء الأول ( أطيعوا الله ورسوله ).
------------------------------------------------------------------------------------------
(1) المفردات فى غريب القرآن – الراغب الأصفهانى ص374

وقوله ( لِما يُحْييكم )(1) إشعار بأن أوامر الله تعالى كنواهيه لا تخلوا أبدا مما يُحْي المؤمنين (2) أو يزيد فى حياتهم أو يحفظها عليهم، لذا وجب أن يطاع الله ورسوله ما أمكنت طاعتهما، وقوله ( واعلموا أن الله يَحُولُ بين المَرْءِ وقلبه ) تنبيه عظيم للمؤمنين إذا سَنَحَتْ لهم الفرصة للخير ينبغى أن يَفْتَرِصُوها قبل الفوات لا سِيَّما إذا كانت دعوة من الله ورسوله؛ لأنه تعالى قادر على أن يحول بين المرء وما يشتهى وبين المرء وقلبه (3) فيقلب القلب ويوجهه إلى وِجْهَة أخرى فيكره فيها الخير ويرغب فى الشر، وقوله ( وأنه إليه تحشرون ) فالذى يعلم أن سَيُحْشَر رغم أنفه إلى الله تعالى كيف يسوغ له عقله أن يسمع نداءه يأمر فيه أو ينهاه فيعرض عنه (4)

قال البغوى رحمه الله تعالى :

( لما يُحْييكُم ) أى ما يحييكم. قال السُّدِّىُّ : هو الإيمان، لأن الكافر مَيِّت فيحيا بالإيمان، وقال قتادة : هو القرآن في الحياة وبه النجاة والعِصْمَة فى الدارين. وقال مُجاهِد : هو الحَقّ، وقال ابنُ إسْحاق : هو الجهاد أعزكم الله به بعد الذل، وقال القتيبى : بل الشهادة، قال تعالى ( بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون ) وَرُوِّينا أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على أُبَىّ بن كَعْب رضى الله عنه وهو يصلى فدعاه فعجل أُبَى فى صلاته، ثم جاء، فقال رسول الله ( ما منعك أن تُجِيبنى إذ دعوتك ؟ قال : كنت فى الصلاة، قال ( أليس يقول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ؟ فقال : لا جَرَمَ يا رسول الله، لا تَدْعُنِى إلا أجبت وإن كنتُ مُصَلِّياً.(5)(6)

-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) (يُحْييكًم ) أصلها يُحْيِيُكُم ) بضم الياء الثانية إلا أن حركتها حذفت فسكنت تخفيفا.
(2) فى الآية دليل على أن الكفر والجهل موت معنوى، إذا بالإيمان والعلم تكون الحياة وبضدهما يكون الممات.
(3) كان من دعائه صلى الله عليه وسلم ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك ) وقوله ( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ).
(4) أيسر التفاسير – الجزائرى ص 514
(5) أخرجه الطبرانى فى التفسير، وأخرجه بنحوه الترمذى فى فضائل الأعمال، وقال حديث حسن صحيح، والإمام أحمد فى المسند.
(6) مختصر تفسير البغوى – د / عبد الله بن أحمد على الزيد ص347

وقوله ( واتقوا فتنة لا تصيبن(1) الذين ظَلَمُوا منكم خاصة(2)) تحذير آخر من عظيم للمؤمنين من أن يتركوا طاعة الله رسوله ويتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فينتشر الشر وَيَعُمُّ الفساد، وينزل البلاء فيعم الصالِح والطالِح، والبارَّ والفاجِر، والظالِم والعادِل. وقوله ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) وهو تأكيد للتحذير بكونه تعالى إذاعاقب بالذنب والمعصية فعقابه قاسٍ شديد لا يُطاق فَلْيَحْذَرْ المؤمنون من ذلك بلزوم طاعة الله ورسوله (3)
قال المُفَسِّرُونَ : نزلت هذه الآية فى أصحاب رسول الله ومعناه : اتقوا فتنة تصيب الظالم وغير الظالم. قال الحسن : نزلت فى عَلِىّ، وعمََّار، وطلحة، والزُّبَيْر، رضى الله عنهم. قال الزبير : لقد قرأنا هذه الآية زماناً وما أُرانا مِن أهلها، فإذا نحن المَعْنِيُّونَ بها، يعنى ما كان يوم الجَمَل. وقال السدى : ومُقاتِل والضَّحَّاك وقَتادَة : هذا فى قوم مخصوصين من أصحاب رسول الله أصابتهم الفتنة يوم الجمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ستكون فِتَنٌ، القاعِدُ فيها خير مِن القائم، والقائم خير مِن الماشى، والماشى فيها خير مِن السَّاعِى، مَن تَشَرَّفَ لها تستشرفه، فَمَن وجد مَلْجَأً أو مُعاذاً فَلْيَعُذ به )(4)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم – وإن كان الخِطاب لهم – هو الصحيح، ويدل عليه الأحاديث الواردة فى التحذير مِن الفتن (5)
------------------------------------------------------------------------------------------
(1) قال ابن عباس رضى الله عنه فى هذه الآية : أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يُقِرُّوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب، وفى صحيح مسلم عن زينب بنت جحش رضى الله عنها أنها سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال ( نعم إذا كثر الخبث ).
(2) إعراب هذه الجملة مُشْكَل، يكتفى بعرض صورتين : الأولى : إنها كقوله تعالى ( ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده ) آى : إن تدخلوا لا يحطمنكم، فيكون معنى الآية : إن تتقوا ..... لا تصيبن، فدخلت نون التوكيد لما فى التركيب من معنى الجزاء، والثانية : تكون على حذف القول أى : اتقوا فتنة مقول فيها : لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، كقول الشاعر :
حتى إذا جَنَّ الظلام واختلَط ....... جاؤوا بمذقٍ هل رأيت الذئب قَط 
أى مقول فيها : هل رأيت الذئب قط، فقوله ( فتنة ) موصوف بجملة مقول فيها : لا تُصيبنَّ.
(3) أيسر التفاسير – الجزائرى ج1 ص514
(4) أخرجه البخارى رحمه الله فى الفِتَن، وفى الأنبياء، وفى المَناقِب، ومسلم رحمه الله فى الفِتَن رقم 2886.
(5) تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى ج2ص999


هداية الآيتين الكريمتين :

1- وجوب الاستجابة لنداء الله ورسوله (1) بفعل الأمر وترك النهى لِما فى ذلك من حياة الفرد المسلم.
2- تعيين اغتنام فرص الخير قبل فواتها، فَمَتى سَنَحَتْ للمؤمن تَعَيَّنَ اغْتِنامها.
3- وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اتِّقاءً للفتن العامة التى يهلك فيها العادل والظالم.
4- أن القلب هو أمير الأعضاء، وبتغيره يتغير حال العبد، وأن القلوب بين يدى الله تبارك وتعالى.
  
------------------------------------------------------------------------------------------

(1) روى البخاري رحمه الله تعالى عن أبى سعيد بن المعلى رضى الله عنه قال : كنت أصلى فى المسجد فدعانى رسول الله فلم أجبه، ثم أتيته فقلت : يا رسول الله إنى كنت أصلى، فقال ( أَلَم يَقُل اللهُ عز وجل ) ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) وذكر الحديث . قال العلماء : هذا دليل على أن الفعل الفرض أو القول الفرض إن أُتِى به فى الصلاة لا تبطل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق