الاثنين، 4 يناير 2016

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ

النداء التاسع والستون – قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
                                                                                  سورة الحُجُرات : 1
سورة الحُجُرات مدنية وآياتها ثماني عشرة آية، وهي بداية المُفَصَّل . فأشهر الأقوال أن أول المفصل ( الحُجُرات ) وأول وسط المفصل ( عَبَس ) وأول قِصار المفصل ( الضُّحي ) هذا أشهر أقوال المالكية . وطلب هذا لأجل الصلاة المفروضة، ففي الصُبح يستحب القراءة بطوال المفصل، وفي الظهر والعشاء بمتوسطه وفي المغرب بِقِصاره . ذكر لسبب نزول هذه السورة عِدَّة روايات . منها ما ذكره الوَاحِدِي ورواه البخاري وهو أن راكباً مِن بني تميم قَدِمَ علي رسول الله . فقال أبو بكر : أمِّر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : أمِّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردتَ إلا خلافي ، فقال عمر ما أردتُ خِلافك ، فتمارَيا حتي ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا (1) بين يدي الله ورسوله .. (2) .
ونزلت هذه السورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب زيادة على ما تضمنت من الأحكام الشرعية والهدايات القرآنية (3) .
قال الشيخ أبو بكر الجزائرى في تفسير الآية الكريمة :
لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها لتجلَّت لنا واضحة إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي الله عنه . وهو يريد أن لا يتم صلح بين المؤمنين والمشركين، وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلل من إجرامهم ونحر هداياهم والرسول يأمر وَهُم لا يستجيبون حتي تَقَدمَّهم صلى الله عليه وسلم فَنَحَرَ هَدْيَه ثم نحروا بعده وتحللوا، إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي والقول بين يدي الله ورسوله وفي ذلك مَضَرَّة لا يعلم مداها إلا اللهُ، ولما انتهت تلك الحال وذلك الظرف الصعب أنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا ) أي بالله رباً وإلهاً وبالإسلام شِرعة وديناً وبمحمد نبياً ورسولاً، ناداهم بعنوان الإيمان ليقول لهم ناهياً ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) أي قولاً ولا عملاً ولا رأياً ولا فِكْراً أي لا تقولوا ولا تعلموا إلا تَبَعاً لما قال اللهُ ورسولُه ، وشَرْع اللهِ ورسولِه ( واتقوا الله ) في ذلك فإن التقدم بالشيء قبل أن يشرع الله ورسوله فيه معني أنكم أعلم وأحكم من الله ورسوله وهذه زَلَّة كبرى وعاقبتها سوء، ولذا قال ( واتقوا الله إن الله سميع عليم ) أي لأقوالكم ( عليم ) بأعمالكم وأحوالكم . ومن هنا فواجب المسلم
-------------------------------------------------------------------------------------
(1) قرأ يعقوب ( لا تَقَدَّمُوا ) بفتح التاء والدال من التقدم أي لا تتقدموا وقرأ الآخرون بضم التاء وكسر الدال من التقديم .
(2) ذكر البغوى في تفسيره عن قتاده في سبب نزول الآية . قال قتادة : نزلت الآية في ناس كانوا يقولون لو أنزل في كذا وصُنِع في كذا وكذا . فكَرِه اللهُ ذلك . وقال مجاهد : لا تفتأوا على رسول الله بشيء حتي يقضيه الله علي لسانه وقال الضحاك : يعني في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله .    (3) أيسر التفاسير - الجزائرى ج 2 ص 1500

أن لا يقول ولا يعمل ولا يقضي ولا يُفتي برأيه إلا إذا علم قَوْلَ اللهِ ورسولِه وحُكْمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال الله والرسول وأحكامهما، فإن لم يجد من ذلك شيئاً اجتهد (1) فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا الله فإذا لاح له بعد ذلك نَصٌ مِن كتاب أو سنة عَدَلَ عن رأيه وقال بالكتاب والسنة (2) .
فيجب تقديم كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكامهما وأمرهما ونهيهما علي سائر الكلام والأحكام والأوامر والنواهي فكل ما فيه الخلاف بين الصحابة فَمَن بعدهم يجب رده إلى الكتاب والسنـة . قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فَرُدُّوه إلي الله والرسول )(3) فالرد إلي الله تعالى هو الرد إلي كتابه والرد إلى الرسول هو الرد إلي سنته بعد انقطاع الوحي فما وافقهما قُبِل وما خالفهما رُدَّ على قائله كائناً من كان .
وقال علي بن أبي طالب : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخُف أولى بالمسح من أعلاه .
وقال عمر بن عبد العزيز : لا أري لأحد مع سنة سَنَّها رسولُ الله صلي الله عليه وسلم .
وقال الشافعي : أجمع الناسُ على أن مَن اسْتَبانَبْ له سُنَّة عن رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس (4) .


-----------------------------------------------------------------------------------------
(1) شاهِدُه حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال له رسول الله حين بعثه إلي اليمن : ( بِمَ تَحكُم ؟ ) قال : بكتاب الله تعالى قال رسول الله : ( فإن لم تجد ؟) قال بسنة رسول الله . قال رسول الله : ( فإن لم تجد ؟ ) قال رضي الله عنـه : أجتهد رأيي ولا آلُو . فَضَرَبَ رسولُ الله في صَدره وقال : ( الحمد الله الذي وَفَّقَ رسولَ رسولِ اللهِ لما يرضى رسول الله . وقد قال بعض أهل العلم إن هذا الحديث فيه مقال.
(2) أيسر التفاسير - الجزائرى ج 2 ص 1501 .                                 (3) سورة النساء : 59   
                                        

(4) مختصر معارج القبول – هشام عقدة ص 443 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق