الجمعة، 17 مايو 2013

فَضْل العِلمِ والعُلَماء


فضل العِلم والعُلَماء
فصل فى معنى العِلْم وفضله

العِلْم إدراك الشئ على حقيقته وذلك ضَرْبان : أحدهما إدراك ذات الشئ، والثانى الحُكْم على الشئ بوجود شئ هو موجود له أو نفى شئ هو منفى عنه فالأول هو المتعدى إلى مفعول واحد نحو ( لا تعلمونهم الله يعلمهم )، والثانى المتعدى إلى مفعولين نحو قوله ( فإن علمتموهن مؤمنات ). والعلم من وَجْه ضربان : نَظَرِىّ وعَمَلِىّ. فالنَظَرِىّ ما إذا عُلِمَ فقد كَمُلَ نحو العلم بموجودات العالَم، والعَمَلِى ما لا يتم إلا بأن يُعْمَل، كالعلم بالعبادات . ومِن وَجْهٍ آخَر ضَربان : عَقْلِىّ و سَمْعِىّ وأعْلَمْتُه وعَلَّمْتُه فى الأصل واحد إلا أن الإعلام اختص بما كان بإخبار سريع والتَّعَلُّم اختص بما يكون بتكرير وتكثير حتى يحصل منه أثر فى نفس المتعلم، قال بعضهم : التعليم تنبيه النَّفْس لتصور المعانى. والتَّعَلُّم تنبيه النفس لتصور ذلك، وربما استعمل فى معنى الإعلام إذا كان فيه تكرير نحو ( أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينكم ) فَمِنَ التعلم قوله ( الرَّحْمنُ عَلَّمَ القُرْآنَ – عَلَّمَ بِالقَلَم – وعُلِّمْتُم ما لم تَعْلَمُوا – عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْر ) ونحو ذلك وقوله ( وعَلَّمَ آدَمَ الأسماءَ كُلَّها ) فتعليمه الأسماء هو أن جعل له قوة بها نَطَقَ ووَضَعَ أسماء الأشياء وذلك بإلقائه فى رُوُعِه، وكتعليمه الحيوانات كل واحد منها فِعلا يتعاطاه وصَوْتا يَتَحَرَّاه،. قال ( وَعَلَّمْناه مِن لَدُنَّا عِلما ) ( قال له موسى هل أتبعك على أن تُعَلِّمَنِ مما عُلِّمْتَ رُشْدا ) قيل عُنِىَ العلم الخاص الخَفِى على البشر الذى يرونه ما لم يعرفهم الله منكرا بدلالة ما رآه موسى لما تبعه فأنكره حتى عَرَّفه سببه، قيل وهذا العلم فى قوله ( قال الذى عنده لعم من الكتاب ) فتنبيه من الله تعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها(1)
لذا اهتم الإسلام بطلب العلم من أجل معرفة التكاليف الشرعية وما خُلِقَ الإنسان مِن أجله. قال تعالى ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك )(2)، وقال سبحانه ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )(3) ) ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( طلب العلم فريضة على كل مسلم وإنَّ طالبَ العلم يستغفر له كل شئ حتى الحيتان فى البحر )(4).
----------------------------------------------------------------------------------------
(1) المفردات للراغب الأصْفهانى ص347                                   (2) سورة محمد : 19
(3) سورة النحل : 43    
(4) رواه ابن عبد البر فى ( العلم ) عن أنس رضى الله عنه - صحيح الجامع رقم ( 3914 )

وسُئِلَ الفُضَيْلُ بن عياض عن هذا الحديث ( طلب العلم فريضة ) فقال : كل عمل كان عليك فرضا، فَطَلَب علمه فَرْضا، وما لم يكن العمل به عليك فرضا، فليس طلب علمه عليك بواجب )ا.هـ

حقيقة العلم
حقيقة العلم الشرعى أنه يبحث فيما يتعلق بمعرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة الشرعية. قال ابن حجر فى فتح البارى : والمراد بالعلم العلم الشرعى الذى يفيد معرفة ما يجب على المكلف فى أمر دينه وعباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه ) ا. هـ
ولذلك يجب على كل مسلم أن يتعلم من علوم الشريعة ما تصح به عبادته من توحيد وطهارة وصلاة وزكاة وصيام وحج، وما تصح به معاملاته من بيع وشراء ونكاح وطلاق وما يحل له من المأكل والمشرب والملبس واللهو والمال وغير ذلك مما لا يَسَع الجهل به لأحد من الناس، وأما علوم القضاء والمواريث والحدود والجنايات والجهاد فهى فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط الحَرَج عن الباقين وإذا تَرَكها الجميع أَثِمُوا.
فضل العلم والعلماء

وفى الإشادة بالعلم ونفى تسوية أهله بغيرهم قال تعالى ( قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون )(1) وفى فضل العلماء العاملين وردت نصوص شرعية تبين قدر العلم والصفات والفضائل التى يتميز بها العلماء، وأولها : الخشية وهى الخوف من الله وهذه من أعظم المنازِل. قال تعالى ( إنما يَخْشَى اللهَ مِن عبادِهِ العُلَماءُ )(2) وثانيها : اقتران شهادتهم بشهادة الله تعالى والملائكة وهذا نوع من التزكية لأن الله لا يستشهد لمن خلقه إلا العُدُول. قال تعالى ( شَهِدَ اللهُ  أنه لا إله إلا هو والملائكة وأُولوا العلم قائما بالقسط .. (3) وثالثها : كَوْنُه فَضْلا من الله يستحق الدعاء لزيادته قال تعالى ( وَقُل رَبِّ زِدْنِى عِلْما )(4) ورابعها : ارتفاع درجات أهله إذا بَنَوْه على الإيمان، قال تعالى ( يرفع اللهُ الذين آمَنُوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )(5) وفى فتح البارى ( ورفعتها تشمل المعنوية فى الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصِّيِت، والحِسّيَّة فى الآخِرَة بعلو المنزلة فى الجنة ) ا.هـ وخامسها : أن العلم يُسّهِّلُ لهم الطريق إلى الجنة حيث يستغفر لهم مَن فى السماوات والأرض، لقوله صلى الله عليه وسلم ( ومَن سَلَكَ طريقا يَلْتَمِسُ فيه عِلْماً سَهَّلَ اللهُ به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قَوْمٌ فى بيت مِن بُيوت الله يَتْلُون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نَزَلَتْ عليهم السكينة وحَفَّتْهُم الملائكةُ وغَشِيَتْهُم الرَّحْمَة وذَكَرَهم الله فِيمَن عِنْدَه )(6)
-------------------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الزمر : 9                            (2) سورة فاطر : 28
(3) سورة آل عمران : 18                     (4) سورة طه : 114  
(5) سورة المجادلة : 11                        (6) رواه مسلم وأبوداود والترمذى رحمهم الله تعالى.

وسادسها : شفاعتهم يوم القيامة، مما يدل على عُلُو مكانتهم ومنزلتهم عند الله تعالى  وإليك هذا الحديث من أحاديث الشفاعة والدال على عموم الشفاعة في الأنبياء وغيرهم ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال َ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ . . . فذكر الحديث ، حتى ذكر مرور المؤمنين على الصراط وشفاعتهم في إخوانهم الذين دخلوا النار ولا شك أن العلماء من بينهم : ( يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ...  )(1)
وسابعها : حصولهم على الأجر العظيم، لحديث ( مَن عَلَّمَ عِلْماً فَلَه أجر مَن عَمِلَ به، لا ينقص مِن أجر العامل )(2) وثامنها : دلالة العلم على خيرية أهله وشهادته لهم بالفضل، فَعَن معاوية رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( مَن يُرِدِ اللهُ به خَيْراً يُفَقِّهُ فى الدِّينِ، وإنما أنا قاسِم، والله يُعْطِى ولَن تَزال هذه الأمَّةُ قائِمَة على أمر الله لا يَضُرُّهم مِن خالَفَهُم حتى يَأْتِىَ أمرُ اللهِ عز وجل )(3)
 وقال على بن أبى طالِب رضى الله عنه : العالِم أفضل مِن الصائم القائِم المجاهد وإذا مات العالِم ثُلِمَ قى الإسلام ثُلْمَة(4)
وقال ابن مسعود رضى الله عنه : عليك بالعلم قبل أن يُرْفَع، ورفعه موت رُواته، فوالذى نفسى بيده لَيَوَدنَّ رِجال قُتِلُوا فى سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لِما يَرَوْنَ مِن كرامتهم، وإن أَحَداً لَم يُولَد عالِما، وإنما العِلم بالتعلم(5)
وعن معاذ بن جَبَل رضى الله عنه أن النيى صلى الله عليه وسلم قال ( فَضْل العلِم على العابِد، كَفَضْلِ القَمَر ليلة البَدْر على سائِر الكواكب )(6)
وعن أبى أُمامَة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( فَضْل العالِم على العابِد كَفَضْلِى على أدناكُم، إن الله عز وجل وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النَّمْلَة فى جُحْرِها، وحتى الحُوت، لَيُصَلُّونَ على مُعَلِّم الناس الخَيْرَ )(7)
وعن حُذَيْفَةَ بَن اليَمان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( فَضْل العِلم أَحَبُّ إلَىَّ مِن فضل العِبادَة، وخَيرُ دِينِكم الوَرَع )(8)
----------------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه البخارى رحمه الله تعالى
(2) رواه ابن ماجه عن معاذ بن أنس – صحيح الجامع رقم ( 6396 )
(3) رواه أحمد والبخارى ومسلم رحمهم الله تعالى
(4) الثُّلْمَة : الخَلَل فى الحائط وغيره ( مختار الصِّحاح ص 250 )
(5) أصول المنهج الإسلامى ص 119، 122
(6) رواه أبو نعيم فى الحلية – صحيح الجامع رقم ( 4212 )
(7) رواه الترمذى – صحيح الجامع رقم ( 4213 )                 (8) رواه البَزَّار والحاكِم – ص.ج رقم ( 4214 )

وعن أبى الدَّرْداء رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( مَن سَلَكَ طريقا يَطْلُبُ فيه عِلْماً، سَلَكَ اللهُ به طريقا مِن طُرُقِ الجَنَّة، وإن الملائكةَ لَتَضَعُ أجنِحَتَها لطالب العِلم رِضَاً بما يصنع، وإن العالِم لَيَسْتَغْفِر له مَن فى السموات ومن فى الأرض والحيتان فى جَوْفِ الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لَم يُوَرِّثُوا دينارا ولا دِرْهَما، إنما وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَن أخَذَه أَخَذَ بِحَظٍّ وافِر )(1)
ولا بد لطالب العلم من إحضار نية تقوم على رفع الجهل عن نفسه وعن الناس. قال الإمام أحمد بن حَنْبَل رحمه الله تعالى : لا شَئَ يَعْدِل العِلم لِمَن حَسنت نيته. قيل كيف ذلك ؟ قال ينوِى به رفع الجهل عن نفسه وعن الناس. ا. هـ وعلى هذه النية مدار التقوى . قال تعالى ( واتقوا الله ويعلمكم الله )(2) ولأن طلب العلم عبادة، والإخلاص والعمل به هو سبيل الانتفاع به وسبب التوفيق لبلوغ المراتب العُلْيا فى الدنيا والآخِرَة، وحينما يتعلم الإنسانُ العِلْمَ الذى يُبْتَغَى به وَجْه اللهِ مما تُعْرَفُ به الأحكام مِن حلال وحرام بقصد عَرَضٍ دُنيَوِىّ أو مادىّ يدفعه إلى ذلك فهذا مِن القَصْد السَّيئٍ الذى يعاقِب اللهُ عليه. فَعَن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( مَن تَعَلَّمَ عِلْما مِمَّا يُبْتَغَى به وجه الله لا يَتَعَلَّمُه إلا لِيُصِيب به عَرَضا مِن الدنيا لَمْ يَجِد به عَرْفَ الجَنَّة يوم القيامة )(3)
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( مَن تَعَلَّمَ  العِلْمَ  لِيُباهِى به العلماءَ، أو يُمارِى به السُّفَهاءَ، أو يَصْرِفَ به وُجُوهَ الناسِ إليه، أَدْخَلَهُ اللهُ جَهَنَّمَ )(4)

الطريقة المشروعة لاكتساب العِلْم
ومما يجب التنويه عنه فى هذا الموضوع أن لا ينبغى أخذ العلم عن أهل الأهواء والبدع والمتساهلين الذين عُرِفُوا بِقِلَّةِ الوَرَع ومخالفة السُّنَّة، لا سيما إن كانت مخالفتهم فى أمر من أمور العقيدة كَمَن يُؤَوِّلُون صفات الله تعالى ومَن يحتجون بالضعيف والموضوع من الأحاديث، وأفضل طريقة لاكتساب العلم : هى اختيار المُعَلِّم الثِّقَة فى دِينه وحِكْمَته وعلمه وصحة عقيدته واتباعه لمنهج السلف الصالح، والبِدْء بالمُخْتَصَرات والمُتُون التى يتدرج بها الطالب، ويتخذ منها سُلًّما إلى المُطَوَّلات، ثم العناية بمعرفة المسائل والدلائل الشرعية ومعرفة أصول العقيدة والحديث والتفسير ودراسة أحكام القرآن الكريم واختيار المَراجِع العِلْمِيَة السهلة المُيَسَّرَة، ثم إذا وجد من نفسه قدرة على التحصيل والفهم عَمَدَ إلى المطولات من أمهات الكتب، ففيها خير كثير.
---------------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حِبَّان رحمهم الله تعالى – صحيح الجامع رقم ( 6297 )
(2) سورة البقرة : 282
(3) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم رحمهم الله تعالى – صحيح الجامع رقم ( 6159 )
(4) رواه ابن ماجه رحمه الله تعالى عن أبى هريرة رضى الله عنه – صحيح الجامع رقم ( 6158 )

وأما الإعراض عن العلم فهو من أسوأ ما يصاب به الإنسان. قال تعالى ( ومَن أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآياتِ رَبِّه ثُمَّ أَعْرَضَ عنها .... ) سورة السجدة : 22 . قال ابن كثير رحمه الله تعالى : أى لا أحد أظلم ممن ذَكَّرَه اللهُ بآياته وبَيَّنها له ووضحها ثم بعد ذلك تَرَكها وجحدها وأعرضَ عنها وتناساها كأنه لا يَعْرِفها. ا.هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق